تابعت، الأسبوعين الماضيين، تصريحات الإخوان المسلمين حول إمكانية طرح اسم لرئاسة الجمهورية، رغم إعلانهم فيما مضى أنهم لا ينوون طرح مرشح يُحسب على التيار الإسلامى. كان تعليلهم فى حينها هو ألا يُتهموا بإخافة المجتمع المصرى بشراسة تواجدهم السياسى فى كل الساحات، خاصة من خلال المنصب الأكثر حساسية وهو «رئيس الجمهورية»، الذى أحد أهم أدواره تمثيل واجهة مصر الخارجية.
ومن ثم، وتحت هذا التبرير، رفضوا طرح الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، العضو السابق بالجماعة، لنفسه، واعتبروه يمثل ذاته، غير مُختار من مجلس شورى الجماعة. كان المفترض فى هذا التصور أن يظل أبوالفتوح «مستقلا» وربما المتوقع له أيضا أن يخسر، لكونه غير مدعوم من الجماعة الأكثر شعبية وتنظيماً فى مصر.
فى سياقٍ موازٍ، كان المفروض أيضا للمستقل الآخر الشيخ صلاح أبوإسماعيل، المحسوب على التيار السلفى، أن يُقابل جماهيريا على أنه طرح بالغ التشدد، يتنافى مع الشكل المتعارف عليه لصورة رئيس الجمهورية، ومن ثم المتوقع له أيضا أن يُهمَّش تدريجيا من قبل الجماهير المصرية العريضة، والمفترض عنهم، استباقا، أنهم سيتخوّفون من مثل هذا الطرح الأكثر يمينية.
إذا كانت شعبية هذين المرشحين تتقلص من تلقاء نفسها تدريجياً، وكان صيت مرشحٍ آخر غير محسوب على التيار الإسلامى يبزغ، ربما كان من المنطقى لجماعة الإخوان المسلمين ألا تتقدم بمرشح خاص بها يحمل اسم حزبها، مؤْثرةً بذلك دعم مرشحٍ ثالثٍ، لم يكن لينافسها فى محاولة احتكارها للإسلام السياسى «المعتدل» فى مصر، وفى الوقت نفسه يدين لها بالنجاح المرتقب، نتيجة استثماره لشعبية الجماعة من أجل الفوز.
لكن أيا من هذا لم يحدث!
فظاهرة «الشيخ صلاح أبوإسماعيل» قد تكون أرّقت جماعة الإخوان. شعبيته سواء بالجد أو الهزل مثل مدى انتشار «بوسترات أبوإسماعيل» فى رسومات مضحكة وصلت القمر، وسيارة أوباما تعنى أن التيار السلفى، المنافس الحقيقى للإخوان المسلمين، قد أصبح له رواج ملموس قد يكون فى «ترمومتر» الإخوان قد فاق الحد الذى يمكن التعايش معه دون شعور بالتهديد. فلا ننسى مثلا أن مفاجأة انتخابات مجلس الشعب لم تكن نسبة «الحرية والعدالة» وتحالفه بنتيجة ٤٧٪ أو نسبة الأحزاب المدنية/الليبرالية/اليسارية مجتمعة فى حوالى ٢٨٪، وإنما كانت نسبة حصول التيار السلفى على تمثيل بلغ ٢٥٪. هذا الرقم قد يكون ما يؤرق الإخوان. فالمزايدة واردة.
ومن ثم أحد التأويلات هو أن مثل هذا الإقبال الجماهيرى، غير المتوقع كليا، على رئيس ذى صبغة إسلامية، سواء على أبوالفتوح، أو أبوإسماعيل، جعل الإخوان يشعرون بأنه ربما تكون هناك حالة طلب فى سوق المرشحين وليس لديهم عرض خاص بهم يُنسب منهم وإليهم، خاصة بعدما استبعدوا دعم أبوالفتوح لاستقلاله الزائد، والنظرة إليه على أنه إصلاحى أكثر تحررا.
فهنا وجد الإخوان أنفسهم فى أزمة. لو لم يعرضوا مُرشحهم سيضطرون لتبعية العرض الموجود الذى بدت عليه بوادر الرواج، ومن ثم تبعيتهم له قد تزعزع قيادتهم للأمور، والالتباس حول من أكثر تأثيرا: الإخوان أم السلفيون؟ فجاء القرار بأن يطرحوا خيرت الشاطر الذى من المأمول فيه أن «يقش» السوق الانتخابية!
من المثير حقا أن رد فعل حزب النور على لسان نادر بكار جاء منفتحا وغير تصادمى بشكل قد يُفاجئ البعض. فقد قال فى حديث تليفزيونى له إن الحزب سيدرس كل الاحتمالات وقد يدعم خيرت الشاطر بالفعل وليس أبوإسماعيل!.. هذا التصريح يعكس دهاءً سياسيا من أقلية حزبية، تدرك حجمها الحالى على اليمين.
لكن ماذا تعنى حقيقةً خطوة ترشيح خيرت الشاطر هذه؟ فهى لن تكون بلا «ضرائب». هل هى عاكسة لنزعة «التكويش على كل حاجة» كما تابعت التعليقات على مواقع الإنترنت المختلفة: برلمان، نقابات، لجنة دستورية، والآن رئاسة؟.. قد يكون هناك شىء من الصحة فى هذا النقد، لكن قد تعكس هذه الخطوة، التى تبدو استحواذية، قلقا وربما خوفا مرضيا «Paranoia» من ذهاب كل شىء فى مهب الريح، «بجرة قلم» من المجلس العسكرى الذى لوَّح بحل البرلمان، وهو قادر بالفعل على أشياء عدة.
هذا يجعل الجماعة والحزب فى حالة استنفار دائم واتخاذ موقف: «أفضل سبل الحفاظ على الأرضية التى حصلت عليها، أن تنافس على مساحة أخرى، كى تؤمِّن ما حصلت عليه بالفعل». سياسة استيطان ربما! لكن من المهم إدراك أنها قد تكون نابعة من قلق وخوف وليس من غرور واطمئنان، لكن «هل الطمع قل ما جمع؟». فى النهاية.. يبدو أنه ليس هناك أى شىء مؤكد فى السياسة المصرية!