التاريخ لن يغفر لكم

خالد السرجاني الخميس 22-03-2012 21:00

سيذكر التاريخ أن النخبة المصرية المدنية الثورية هى التى أضاعت الثورة. فعناصر هذه النخبة بدلاً من التوافق حول برنامج واحد يضع مطالب الثورة موضع التنفيذ، ثم التوافق على أفضل العناصر التى يمكنها أن تشرف على تنفيذ هذا البرنامج وتقف وراءه وقفة جماعية من أجل تحقيق مطالب الثورة، انساقوا وراء «أنواتهم» العالية، ونرجسيتهم القاتلة، ورأى كل منهم أنه يملك شعبية طاغية، لأنه ظهر مرة أو أكثر فى أحد برامج التوك شو، فرشح معظمهم نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، وتنافسوا جميعاً على قطاع شعبى تفتت بينهم، وأصبحت المنافسة النهائية بين فلول النظام السابق ومرشحى المجلس العسكرى والإسلاميين.

الترشح للانتخابات حق دستورى لا شك فى ذلك، ولكن المصلحة العامة، كانت تتطلب قدراً من المسؤولية وأن تتنازل «الأنا» لصالح المجموع، وأن تدرك كل شخصية عامة حجمها الحقيقى وإلا أصبحت «مفارقة للواقع»، وهذه المفارقة مرض نفسى عضال. تصور الكثيرون أن سائق سيارة أو جاراً لهم أو حارس العمارة عندما قال لهم «كنت منور التليفزيون يا باشا» أن ذلك يعنى أن الطبقتين العاملة والمتوسطة تدعمان ترشيحهم لمنصب رئيس الجمهورية. أما التعليقات على شبكة التواصل الاجتماعى «فيس بوك» فهى دليل على أن الملايين ترحب بترشحهم وتؤيدهم.

وفى الوقت الذى كانت القوى الأخرى - أى الفلول والعسكرى والإسلاميين - تسعى فيه للبحث عن مرشح موحد لكل قوة منهم، من أجل توحيد الصفوف وعدم تفتت الأصوات، نرى أن قوى الثورة تتفتت يومياً وتتشرذم وتتشظى، فيصبح المرشح ثلاثة، ثم يتحول الثلاثة إلى 9 وهلم جرا، ولا ندرى هل يزيدون بمتتالية عددية أم أنهم ينشطرون مثل النواة فى علم الفيزياء؟. هل يعلم المرشحون أن مرشحى الفلول يراهنون على أنهم سيقومون فى النهاية برشى الناخبين، وقد بدأوا بروفة عملية بشراء التوكيلات؟. أما مرشحو المجلس العسكرى فيراهنون على المادة 28 من الإعلان الدستورى، لأنهم يتصورون أن اللجنة المشرفة على الانتخابات ستساعدهم كما فعلت مع التيار الإسلامى فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، ويراهن الإسلاميون على أنه فى النهاية سيكون هناك مرشح إسلامى واحد سيقفون وراءه متكتلين، وهو ما يمنحه فرصة الإعادة، وعندها ستكون هناك حسابات أخرى، فهل يراهن كل المرشحين المنتمين للثورة من اليسار أو اليمين على أن الشعب سيقف وراءهم عن بكرة أبيه، أم على صفقات ستتم، أم على ماذا؟.

وللأسف فإن الذين رشحوا أنفسهم من المؤيدين للثورة ويريدون تنفيذ مطالبها، أقدموا على الخطوة دون أن يدرسوا تبعاتها، ليس فقط على صعيد تفتيت أصوات الجموع الثورية، ولكن على الصعيد «العملياتى» فلم يجهز أى منهم العدد المطلوب من المتطوعين المطلوبين للحملة، ولم يعرف أى منهم عدد المندوبين المطلوبين له فى اللجان الانتخابية من أجل الحيلولة دون تزوير الانتخابات، ولم يعرف أى منهم الميزانية المطلوبة منه لكى يدير حملة انتخابية معقولة، ولم يفكر فى كيفية تدبير هذه الأموال. وبالطبع فإن أياً منهم لم يتفق مع مكتب متخصص مسؤول عن إدارة الحملات الانتخابية كى يدير له حملته، على العكس من ذلك يفكر المرشحون الفلول، فمنهم من رصد 200 مليون، وآخر رصد 150 مليونا، وحجز الأماكن التى سيضع فيها صورته، وهى ستكون فى كل شارع وميدان من شوارع القاهرة، وهناك من حصل على دعم وميزانية من دول عربية خليجية نفطية لحملته الانتخابية، لكن مرشحى الثورة دخلوها بصدرهم كما يقال فى الحوارات العامية، ولو كان هؤلاء المرشحون فكروا بصورة عملية لأدركوا أن الموارد المالية والبشرية المتوفرة لقوى الثورة لو تكتلت لأسهمت فى نجاح مرشح واحد أو أدخلته المنافسة، لكنَّ تفتيت هذه القوى يعنى كارثة على قوى الثورة فى أى انتخابات.

سيذكر التاريخ أن ثورتنا المصرية العظيمة تعرضت لمؤامرات من الإخوان المسلمين، وأن المجلس العسكرى كان يحتضن الثورة المضادة، أما أنتم أيها المرشحون فلن يغفر التاريخ لكم.