تمر العلاقات «المصرية – التركية» بأسوأ أزمة لها منذ عقود، في أعقاب تطاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على مصر والرئيس عبدالفتاح السيسي في الأمم المتحدة، والمنتدى الاقتصادي العالمي، مما استدعى وزارة الخارجية لإصدار بيانين شديدي اللهجة للرد على تطاول الرئيس التركي.
مسلسل الخلافات بدأ منذ أن كانت مصر ولاية عثمانية ومحاولات انفصال على بك الكبير بمصر والشام والحجاز عن الخلافة، والتي انتهت بخيانة محمد بك أبوالديب لسيده، وعودة مصر لحظيرة الباب العالي.
ومع تولي محمد على، حكم مصر، فكانت البداية الحقيقية للخلافة عندما دخل الزعيم الألباني الجديد في معارك طاحنة ضد آل عثمان، من أجل السيطرة على الشام والحجاز، ونجح في توحيدهما لمدة 10 سنوات، وبعدها تأمرت عليه الدول الأوربية، لصالح تركيا، وعادت سوريا العثمانية مرة أخرى للباب العالي.
ومنذ أن تبادلت مصر وتركيا التمثيل الدبلوماسي عام 1925 بعد سقوط الخلافة، تراوحت العلاقات بين البلدين بين الفتور والدفء، فالعلاقات التي بدأت على مستوى القائم بالأعمال سرعان ما تم رفعها إلى مستوى السفراء في عام 1948، إلا أن العلاقات الوطيدة التي جمعت بين أسرة محمد على باشا والسفارة التركية في القاهرة أثارت حفيظة الضباط الأحرار الذين أطاحوا بالملكية في مصر عام 1952.
وشهد عام 1953 أبرز المحطات التاريخية بين البلدين حينما أعلنت مصر الجمهورية، وقطعت الطريق على تحركات بريطانية تركية اعتبرتها القاهرة مريبة، وفي عام 1954 قام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بطرد السفير التركي في القاهرة خلوصي فؤاد توغاي، على خلفية مواقف تركية اعتبرتها القاهرة معادية للعرب.
وفي هذا السياق، نشرت جريدة الأهرام في منتصف عام 1954 «مانشيت» بعنوان «طرد سفير تركيا من مصر»، وفي تفاصيل الخبر ذكرت الصحيفة أن مجلس قيادة الثورة قرر طرد السفير التركي بعد حملاته المستمرة ضد الثورة وتوجيه ألفاظا نابية للزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
نص قرار الحكومة المصرية برئاسة جمال عبدالناصر وقتها بطرد السفير التركي من مصر على رفع الحصانة الدبلوماسية عن فؤاد طوغاي سفير تركيا في القاهرة واعتباره شخصا عاديا، وطرده من مصر وإبلاغ هذا القرار للحكومة التركية.
وتسبب الفتور في العلاقات بين القاهرة وأنقرة في صمت تركيا إزاء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، مما دفع جمال عبدالناصر لاعتماد سياسة داعمة لليونان في خلافها مع تركيا بشأن جزيرة قبرص.
واستمر تدهور العلاقات المصرية التركية خلال الستينات مع إعلان أنقرة ترحيبها بانفصال مصر عن سوريا في عام 1961.
وكانت القاهرة ودمشق أعلنتا الوحدة في 22 فبراير 1958 بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة، واختير عبدالناصر رئيسا، والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، لكن انقلابا عسكريا في دمشق في 28 سبتمبر 1961، أنهى الوحدة وأعلنت سوريا عن قيام الجمهورية العربية السورية.
ودفع الترحيب التركي بانفصال مصر التي احتفظت باسم الجمهورية العربية المتحدة، إلى طرد سفير أنقرة، للمرة الثانية في الحقبة الناصرية.
وعاد الدفء إلى العلاقات بين مصر وتركيا في عام 1988 عندما طلبت مصر من اللجنة المصرية التركية وضع مقترحات لتحقيق المصلحة المشتركة بين البلدين.
وتطورت العلاقات وتوطدت في فترة التسعينات خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء التركي آنذاك نجم الدين أربكان لمصر عام 1996، وهي الزيارة التي سعى خلالها لتكوين مجموعة اقتصادية إسلامية تكون مصر أحد أعضائها، وهو ما أسفر عن تكوين مجموعة الثمانية النامية، وموافقة مصر على الانضمام إلى تلك المجموعة، حيث عقدت أول قمة لمجموعة الدول الثماني الإسلامية في إسطنبول في يونيو 1997.
وتوطدت العلاقات المصرية التركية خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي زار تركيا عام 2009، لكن الأمور تغيرت مع ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بمبارك، عندما دعا أردوغان إلى الإطاحة بمبارك.
وسرعان ما عادت الأمور إلى التقارب أيام حكم المجلس العسكري، حيث وصل الرئيس التركي عبدالله غول إلى القاهرة، ناقش فيها سبل دعم التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري بين البلدين خلال المرحلة الانتقالية.
ووصلت العلاقات إلى أوجها مع فوز الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في الانتخابات الرئاسية منتصف 2012.
وزار مرسي تركيا ليوم واحد في يوليو عام 2012، كما زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما كان رئيسًا للوزراء، القاهرة في نوفمبر الماضي.
وعقب عزل مرسي في 3 يوليو 2013، شهدت العلاقات بين البلدين تدهورا على خلفية الموقف التركي الداعم لجماعة الإخوان المسلمين، ورفضها لنتائج ثورة 30 يونيو، مما أدى إلى طرد السفير التركي في القاهرة للمرة الثالثة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
فعقب عزل مرسي، تعمد «أردوغان» وصف ما حدث ب«الانقلاب العسكري»، ووجه انتقادات لمن يسانده.. وقد تكرر ذلك في لقاءاته وخطاباته وتعليقاته سواء في لقاءات عامة أو حزبية أو إعلامية، وكان أول هذه المواقف وضوحا في 12 يوليو 2013 في كلمته بمركز «القرن الذهبي» للمؤتمرات باسطنبول، ضمن حفل لحزبه العدالة والتنمية، وأكد في كلمته أن ما حدث في مصر «انقلاب عسكري استهدف إرادة الشعب المصري وحقه الديمقراطي.
وقامت الخارجية التركية بعدها باستدعاء سفيرها بالقاهرة للتشاور، بعد إدانة قوية من أنقرة لما اعتبرته تعسفًاً من القوى لأمنية المصرية وإفراطاً منها في استخدام القوة ضد المعتصمين برابعة والنهضة، وهو ماردت عليه الخارجية المصرية بإجراء مماثل، باستدعاء السفير المصري لدى أنقرة في اليوم التالي، وأعلنت مصر وقف التدريبات البحرية المشتركة مع تركيا، التي كان مقرراً إجرائها في الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي.
وبكى «أردوغان» علناً خلال ظهوره في برنامج تليفزيوني بقناة «أولكه» التركية، بعد فض اعتصام رابعة بأيام، تأثراً بخطاب القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي لابنته أسماء التي لقيت حتفها.
وفي يوم 22 أغسطس 2013 وبالتزامن مع إساءات الإخوان بمصر للإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، نشرت الصحافة التركية أن أردوغان وجه سهام نقده لـ«الطيب»، قائلا: «إنه شعر بالإحباط عندما رأى شيخ الأزهر يؤيّد»الانقلاب العسكري«في مصر، وتساءل»كيف يمكنك القيام بذلك؟«، مضيفاً أن «التاريخ سيلعن الرجال أمثاله كما لعن التاريخ علماء أشباهه في تركيا من قبل».
واستمر «أردوغان» في انتقاد النظام المصري بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكان أخرها في خطابه بالأمم المتحدة، في 25 سبتمبر الجاري، واعتباره أن «الأمم المتحدة تقوم بدعم الانقلابيين العسكريين، وتقف ضد الذين انتخبوا بشكل حر وديمقراطي».
وكرد فعل على كلمة أردوغان قرر سامح شكري، وزير الخارجية، إلغاء المقابلة الثنائية، التي كان قد طلبها وزير خارجية تركيا معه على هامش أعمال الشق الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأصدرت وزارة الخارجية بيانًا استنكرت خلاله كلمة الرئيس التركي، واتهمته بـ«دعم الإرهاب».
وكانت أخر محطات تطاول أردوغان، الأحد، عندما صرّح أمام المنتدى الاقتصادي العالمي بأنه «لم يستطع أخذ صور مع الانقلابيين في الأمم المتحدة»، وفي رد فعل سريع أصدرت وزارة الخارجية بيانًا شديد اللهجة، قالت فيه إن «كلمة أردوغان استمرار لمسلسل الشطط والأكاذيب التي يرددها الرئيس التركي حول الأوضاع في مصر
وذكرت وزارة الخارجية، في بيان رسمي شديد اللهجة، أنها إذ تجدد استنكارها الشديد لهذه الأكاذيب من جانب الرئيس التركي، فإنها «تؤكد أن المُتابع للشأن الداخلي في تركيا خلال الأعوام الإثنتي عشر الأخيرة يخلص إلى نتيجة طبيعية مفادها أن السيد أردوغان، الذي يدعي أنه راع للديمقراطية والمدافع عن ثورات الربيع العربي ـ ممارساته وسجله الداخلي خلال هذه الأعوام بعيد كل البعد عن الديمقراطية الحقيقية، ومن ثم فإنه ليس في وضع يسمح له بإعطاء الدروس لنا بشأن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ولا ينصب نفسه وصياً عليها».