جابر عصفور وثقافة التخلف

محمد منير السبت 27-09-2014 21:19

قرأت المقال الأزمة للزميل الناقد طارق الشناوى، الذى نُشر تحت عنوان «وزير الانتقام»، وحاولت أن أستخرج من بين سطوره كلمة واحدة تُبرر لوزير الثقافة الدكتور جابر عصفور رفع دعوى قضائية بالسب والقذف ضد الشناوى لكنى لم أجد.

المقال يسرد وقائع وأحداثاً محددة تتعلق بما يدور داخل أروقة الوزارة، والخطة المُحكمة لإجبار أمين عام المجلس الأعلى للثقافة على تقديم استقالته، وقبولها على الفور، ومعركته مع لجنة السينما، وبعض الأسماء التى يُحيلها للتحقيق لمجرد اختلافه معها.. إلى آخر المقال الذى لم أرَ فيه أى شُبهة للسب أو القذف، إلا إذا كان معالى الوزير يعتقد أن نقده فى حد ذاته سب وقذف.

ومن المفارقات التى حدثت معى أننى منذ شهور عدة كنت قد قرأت كتاباً بعنوان «نقد ثقافة التخلف»، وكنت أعرف جيداً أن مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور جابر عصفور، فكيف أنسى اسم مؤلف الكتاب، بصفة خاصة إذا كان كاتباً وناقداً بقيمة معالى الوزير؟! لكن عندما تحدثت قليلاً مع نفسى عن بعض القضايا المهمة التى طرحها الكتاب، والتى فى مقدمتها حرية التعبير، راودنى بعض الشك، وحينها قلت لنفسى لابد أن أراجع مكتبتى مرة ثانية للتأكد من اسم المؤلف، فكيف يكون مؤلف هذا الكتاب هو مَنْ يرفع دعوى سب وقذف ضد كاتب وناقد اختلف معه فى الرأى، وإلا أين حرية التعبير التى يتحدث عنها؟! وإذا كان كذلك فإن خطأ ما قد حدث، وبالفعل أحضرت الكتاب وتأكدت أنه بالفعل مؤلفه، وقررت استرجاع بعض ما كتب، ربما يكون انفصاما فى الشخصية قد أصابنى وجعلنى أقرأ بشخصية وأفهم بشخصية أخرى عكس ما أقرأ.

بالفعل، أعدت قراءة ما كتبه فى مقدمة كتابه «نقد ثقافة التخلف»، والذى قال فيه نصاً: «منذ سنوات بعيدة وأنا مهموم بقضايا التخلف والتقدم، لذلك كان اهتمامى بثقافة الاستنارة والعقلانية والحرية الفكرية والإبداعية والتسامح لا التعصب»، ويذكر فى مقدمة الحديث ما قاله الأديب الراحل يوسف إدريس: «إن كل الحرية المتاحة فى العالم العربى لا تكفى كاتباً واحداً لممارسة إبداعه بشكل كامل بعيداً عن القيود المتعددة التى يفرضها على الكتابة الاستبداد السياسى والتصلب الفكرى والجمود الاجتماعى والتعصب الدينى».

ويضيف الدكتور جابر عصفور قائلاً: «قد مضى على كلمات يوسف إدريس ما يقرب من عشرين عاماً لم يتناقص فيها قمع الرقابة الخارجية، وممارسة العنف العارى على المفكرين والمبدعين الذين لايزالون يجدون أنفسهم ما بين مطرقة التطرف الدينى وسندان السلطة السياسية».

وفى كتابه «نحو ثقافة مغايرة» يُخصص فصلاً كاملاً يتحدث فيه عن «حق الاختلاف»، وكيف أنه لايزال يدين لأساتذته الذين دفعوه للاختلاف معهم، وقال نصاً: «لن ينقطع دَينى لأساتذتى الذين تقبلوا اختلافنا معهم فى الرأى برحابة أفق وتسامح عقلى، غافرين لنا زلات اللسان وفجاجة التعبير والزهو الفارغ لثورة الشباب».

وأودّ التذكير أيضاً بأن الذى رفع دعوى السب والقذف هو نفسه مؤلف كتب: «هوامش على دفتر التنوير، وأنوار العقل، وآفاق العصر»، ويكفى قبل كل هذا أنه وزير ثقافة، وأكثر من يعلم قيمة الكلمة والرأى الحر.

وهو أيضاً القائل فى كتابه نقد ثقافة التخلف: «إن الحرية تنتزع انتزاعاً، لأنها ليست هبة من سلطة أو جماعة وإنما هى حق لا يمكن اكتسابه إلا بممارسته»، وأنا أقول ما أجمل «نقد ثقافة التخلف».

قال الله تعالى فى سورة الصف:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ»

mhmd.monier@gmail.com