الحكم عنوان الحقيقة، أما الحقيقة فعلمها عند ربى، فلا حاجة مطلقاً للمصادرة على المطلوب من قاضى محكمة القرن (2) المستشار محمود الرشيدى، الرجل اجتهد، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وهذا ما ثبت فى يقينه، فلنثق جميعا فى حكمه، ونتقبله أيًا كان، ولننح أحكامنا السياسية جانبا، المستشار إن هو إلا بشر يخطئ ويصيب. التحفز والاحتشاد للحكم، والتنمر لما سينطق به القاضى الجليل يورثنا الكفر بالقضاء وأحكامه، وهذا لعمرى خطير جداً على أجواء العدالة التى تظللنا جميعا، أبرياء ومتهمين، إذا كان مبارك (الرئيس الأسبق) يحاكم أمام قاضيه الطبيعى، فهناك (رئيس سابق) يحاكم أمام قاضيه الطبيعى، من لا يرضى بالحكم على مبارك، كيف سيستقبل الحكم على مرسى، ومن يرفض الحكم على مبارك على الجانبين.. كيف يصير الحال عند الحكم على مرسى؟.. مع اعتبار للفارق الذى يعتقده الأنصار على الجانبين، كل يرى فى رئيسه ما لا يراه الآخرون، ومعلوم «عين الرضا عن كل عيب كليلة، ولكن عين السخط تبدى المساويا» عين القاضى لا هى عين رضا، ولا هى عين السخط، هى عين العدالة المعصوبة، لا ترى سوى ما اكتنزته الأوراق من مساويا، فارفعوا أيديكم عن قاضى مبارك، اتركوه لحال سبيله يسعى لإحقاق الحق، وإتيان العدل، ولنعتبر مرة للقضاء، ولنثق أن هذا حكم القضاء بناء على متوفر وهو قليل من كثير، وعلى ما تقدم وهو قليل من كثير، كان الله فى عون المستشار الرشيدى واللهم امنحه حكماً عادلًا.
لا نمدحه ولا نذمه، القاضى لا يمدح ولا يذم، هذا ما نعتقده، ويعتقده القضاة الأجلاء، أما التربص بالقاضى، إبان حكمه، والتفلت فى وصفه، واصطياد ابتسامة عابرة تؤشر على حكمه، أو تعرق فبدا باكيًا، والتعويل على نبرة صوته، والتذكير بفعله على المنصة سلبًا وإيجابًا مع المتهمين والشهود، كل هذا وغيره يدخل فى باب التوقعات المرئية، والاحتمالات السماعية، والتوهمات العقلية، والتخرصات التى لا تستقيم مع مطلب العدالة المطلقة التى نرجوها لمن نكره قبل أن نطلبها لمن نحب.
الكفر بأحكام القضاء رفضا كبيرة نرتكبها دون أن يطرف لنا جفن، والتشكيك فى ذمة القضاة كارثة على العدالة تهدد محرابها الذى نال منه المجرمون طيلة أربع سنوات عجاف لم نر فيها سوى كل فحش فى القول وتقول عن القضاء والقضاة، وكل تقبيح للأحكام، وكل تجريس لقرارات الاتهام. تحولنا إلى قضاة جلوساً على المقاهى المعبقة بأنفاس الشيشة، وإلى نواب عموم جلوساً على الكافيهات، صرنا قضاة غلاظاً شداداً نستحل عرض العدالة فى الشارع السياسى الذى صار كالسيرك تتقافز فيه القرود تقزقز الأحكام وتهمْهم عليها بلغة غبية ليس لها من قاموس الاحترام شيئاً.