يتذرع مروّجو المحطات النووية بأن إقامتها تعزز الأمن القومى، لكن الواقع يقول بغير ذلك، سواء من زاوية اقتصادية أو أمنية أو استقلال وطنى، وفى تقرير اللجنة الوطنية الأمريكية حول هجمات 11 سبتمبر، والذى صدر فى 2004 بعد تقصيات موسعة، جاء أن «محمد عطا» الذى وجه طائرة البوينج نحو البرج الشمالى لمركز التجارة العالمى كان قد اختار مجمَّعى محطة الطاقة النووية «إنديان بوينت» على نهر هدسون، والتى تبعد 40 ميلاً فقط عن مانهاتن، كهدف حمل الرمز المشفر «هندسة كهربائية»، إلا أن مُنفِذى العملية تراجعوا عن ذلك لتوقعهم أن يتم إجهاضها بصواريخ مضادة للطائرة المختطفة أو بطائرات معترضة فور الاقتراب من هدفهم، وهذا يجعلنا حتى لو لم نصدق التقرير الأمريكى، ندرك أن أعباء إقامة محطة نووية تضيف إنفاقاً مالياً وجهداً عسكرياً مستنزفين لميزانية الدولة ولجهود الجيش أيضا، وهو ما سيتضاعف بشكل مخيف فى حالة وقوع كارثة تتطلب الاحتواء، وقد كشف تقرير مؤسسة هنريش بول عن مُصنَّف يحمل إشارة «سرى جدا»، صادر عن جمعية أمان وسلامة المنشآت النووية عام 2002، تم تسريبه، وجاء به أن خطر حصول كارثة نووية بغض النظر عن الطراز أو الحجم أو سرعة طائرة الركاب المدنية المخطوفة عند ارتطامها بالمفاعل، إما أنها ستؤدى إلى احتراق حاوية الأمان والسلامة، أو تدمير نظام خطوط الأنابيب من خلال الارتجاجات الهائلة التى يسببها الارتطام واشتعال وقود الطائرة المنفجرة، وفى حال الإصابة المباشرة يكون وارداً احتمال انصهار النواة فى قلب المفاعل والتسريب الواسع والقاتل للإشعاع النووى، كما يهدد بتدمير المخازن المؤقتة التى تُحفظ فيها النفايات النووية لتخبو فى أحواض مائية.
هذه المخاوف لم تعد مجـــرد سيناريوهــــات خيالية، بل هناك مقدمــــات تؤكد واقعية احتمالاتها، مثل قيام الطائرات الصربية أثناء حرب البلقان باستعراض القوة، محلقة فوق مفاعل كراسكو بسلوفينيا عدة مرات، مهددة بتدميره، وكذلك القصف الإسرائيلى لمفاعل أوسراك العراقى عام 1981 قبل تشغيله، وقصف العراق لمفاعلى بوشهر قبل تشغيلهما أيضا أثناء الحرب الإيرانية العراقية. وإذا استبــعدنا حديـــث الهجوم بالطائرات، ســــواء المدنية المُختطَفة أو العسكرية الموجهـــة فى حالة صراع عسكرى مع عدو ما، تبقى هناك وسائل مختلفـــة صارت بين أيادى مجموعات إرهابية محتقنة بالشر والحقد والجنون لم تعد بعيدة عنا، ويمكنها استخدام وسائل انتحارية أو حتى مدفعية أو صواريخ للنَّيْل من مفاعل نووى، محدثة تدميراً يكون بكل أبعاده الأمنية والاقتصادية والصحية والأمنية إيذاء بالغاً للأمن القومى.