لا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك تصاعدا فى ظاهرة خلع الحجاب تنتشر بين السيدات والفتيات فى مصر، وبعيدا عن الأسباب المختلفة التى يفسر بها البعض الظاهرة، حيث يرجعها بعضهم للسياسة، وما رآه الناس من مواقف بعض الإسلاميين، ويعزوها آخرون لتراجع علاقة الفرد بالدين وتفكك الرابطة الروحية التقليدية التى تحكم كثيرا من سلوكيات الناس.
بينما يؤكد البعض أنها حالة تمرد جمعى عصفت بمجتمع مضطرب وانعكس ذلك على أفراده فى كثير من الأشياء ومنها مسألة الحجاب، بعيدا عن كل هذا ساءنى أن أجد حالة من التراشق بين البعض ممن لا يحبون الحجاب وبعض من يلتزمون به.
رأيت بعينى حالات كثيرة لفتيات خلعن الحجاب وتلقين هجوما عاصفا من أخريات شككن فى دينهن والتزامهن وفى نواياهن.
ورأيت أيضا بعضا ممن لا يرتدين الحجاب أصلا وبعضا ممن خلعن الحجاب يعلنّ الحرب على من يقولون إن الحجاب فرض ويسوقون موضوعات وتبريرات ترى بعدم فرضية الحجاب، ولن أدخل فى هذا الجدل لأنى لست عالم دين متخصصا، وأفضل الاحتفاظ بوجهة نظرى لنفسى، ولكن ما يعنينى هو فكرة التعايش التى يفتقدها مجتمعنا.
إن أسوأ ما فى مجتمعنا أننا لا نقبل الاختلاف ومن لم يتبع خطانا ويوافقنا يتحول إلى خصم لنا وعدو ننابذه ونحقره، ليس هذا على مستوى قضية معينة بل هو حالنا الغالب فى كل قضايانا ونقاشاتنا سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية أو رياضية، كما أننا لا نكتفى بذلك بل نمارس عنصرية بغيضة متبادلة ففى قضية الحجاب على سبيل المثال بعض المطاعم العنصرية والمحال تمنع دخول المحجبات وتشترط خلع الحجاب لدخول المكان وعلى الجانب الآخر إذا دخلت فتاة غير محجبة إلى مسجد أو مكان تؤمه محجبات تتلقى كثيرا من نظرات الاستهجان بل إن شريحة ليست بالقليلة فى مجتمعنا تصنف غير المحجبة فى دائرة الانحلال، وعلى الجانب الآخر بعضهم يصنف المحجبة كامرأة متخلفة ورجعية، وبعضنا قد لا يبدى ذلك لكنه يبطنه ويحدث به نفسه!
المجتمعات السليمة نفسيا، والتى شُفيت من التشوهات الخلقية والفكرية والنفسية تتسع للجميع وترحب بالمختلف ولا تمارس ضده التمييز ولا العنصرية البغيضة التى تتبعها الكراهية، التحدى الأكبر أمام مجتمعنا الآن أن نستطيع التعايش معا باختلافاتنا، لا نجبر أحدا على طمس هويته ولا تغيير أفكاره لأنها لا تعجبنا ولا توافق أهواءنا، لا يوجد مجتمع ملائكى، ولكن حالات التشوه الإنسانى فيه تكون حالات فردية وليست حالة جماعية.
ربما تضاءلت آمالنا فى تغيير بعض أجيال أصابتها هذه الآفة وقد نكون منهم، لكن مسؤوليتنا أن نعلم الأجيال القادمة قبول المختلف واحترامه وإدارة الاختلاف بشكل بناء يثرى حياتنا ويضيف إليها، فلنغرس فى أبنائنا هذه القيمة التى ترتقى بها المجتمعات الإنسانية، وتنهض بها الأمم التى تجعل كل أبنائها تروسا مختلفة تتآزر، وتتفاعل ليتقدم المجتمع وتتسارع خطواته للتقدم والتميز.
الطريق طويل لكن لا بد من عبوره، مشاكلنا مجتمعية ونفسية وفكرية قبل أن تكون سياسية، وما نراه فى مستنقع السياسة هو انعكاس لما فينا، فمتى نصلح المرآة ونصقلها لنبصر أمراضنا ونداويها؟