أحمد رجب.. وداعاً صديق العمر

زاهي حواس الأحد 14-09-2014 22:25

لم أتخيل أنه سيأتى يوم أكتب فيه هذا المقال مودعاً صديقى وتوأم روحى أحمد رجب الذى رحل عن دنيانا وأخذ معه أشياء جميلة كانت تعيننا على الحياة.. صداقة وعشرة عمر وحب نادر الوجود. رحل صديقى وقد أحسن فى الدنيا وترك أثرا لن يموت. صحيح أن نص كلمة قد وصلت إلى نقطة النهاية بعد أن عاشت بيننا عشرات السنين، ولكن عزاءنا أنها أمتعتنا وأدخلت البهجة إلى نفوسنا وكانت طاقة النور والأمل فى حياتنا الصعبة. اطمئن يا صديقى فقد تركت الحياة ولك فيها ملايين المحبين، سواء من أصدقاء يعرفونك أو من قراء أجلوك واحترموا قلمك الذى عبر عنهم وتحدث بما فى نفوسهم. أعلم أنه سيأتى يوم نتغلب فيه على لوعة الفراق ونتذكر فقط أحمد رجب وأعماله وهذه سنة الحياة، ولكن لا أعرف كيف أقاوم الألم لموت صديقى وأنا على بعد آلاف الأميال منه خارج مصر، حتى كلمة الوداع سأحرم منها وهو يدخل إلى قبره! .

استيقظت يوم الجمعة الماضى على ضيق شديد لا أعرف له سبباً، ووجدتنى أتصل بالعقيد ياسر رجب ابن أخيه الذى كان يلازم عمه بصفة دائمة فجاءنى صوته باكياً يقول: «البقاء لله.. مات أحمد رجب منذ ساعة» أنهيت المكالمة ودموعى تنهار دون تحكم ومواقف أحمد رجب وكلماته وضحكه تنهال على الذاكرة دون منطق أو ترتيب.. أسمعه وهو يتصل بى وأنا فى أمريكا منذ أشهر قليلة ليقول لى ساخراً: «المشكلة يا زاهى إنهم هنا مش لاقيين قطع غيار لرجلى.. شوفلنا محل عندك يكون فيه قطع الغيار المطلوبة!»، حتى فى مرضه كان يضحك ويُضحك من حوله. وعندما وصلت إلى القاهرة ذهبت ومعى صديقنا صلاح منتصر إلى المركز الطبى العالمى، حيث يرقد أحمد رجب وكان فى غيبوبة بغرفة العناية المركزة، وبعد محاولات سمحوا لنا بالدخول، ووقفنا بالقرب منه نسلم عليه وندعو له وخاطبته قائلاً: «لو كنت تشعر بوجودنا حرك يدك.. وبالفعل حرك ذراعه اليمنى»، فى هذا المكان وعلى بعد سريرين فقط كان يرقد مصطفى حسين والذى مات ولم يعلم أحمد رجب برحيله.. فهل هناك فى الحياة أكثر من تلك المفارقات.. مهما تقدم بنا العمر ومهما وصلنا إليه من شهرة ونجاح يأتى القدر لينفذ والموت ليفرق، وهنا فقط نعرف حجم الدنيا الحقيقى. فقدنا إنسانا عظيما أحب الحياة فلم يضيعها فى مشاكل أو خلق أزمات وتكوين عداءات أو التخطيط لصراعات، كان يضحك ويكتب ليسرى عن الناس كلها، ولخص الحياة المصرية فى شخصيات بها كل القيم والصفات الحلوة والمرة، خاصمنى مرة واحدة لأننى انقطعت عنه عشرة أيام كاملة دون اتصال لانشغالى بمؤتمر خارج مصر.

وعندما عدت ذهبت إليه فى منزله فتركنى نصف ساعة جالساً منتظراً وتملكنى القلق عليه، إلا أننى فوجئت به يخرج وهو يضحك ويقول: «بس يا سيدى هو ده عقاب اللى ميسألش على صاحبه!». لا نعز أحداً على الله لكن نطلب الرحمة والمغفرة لأحمد رجب الذى حفر بقلمه موقعاً عظيماً فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية.. وعزائى إلى كل إنسان أحبه، وعزائى إلى المخرجة الشابة ساندرا نشأت التى كان أحمد رجب يناديها فقط بـ«يا ابنتى»، وأعلم وأنا فى سفرى هذا أنها فى حزن شديد على فقدان الأب والمعلم والكاتب العظيم.. رحم الله أحمد رجب وأسكنه فسيح جناته.

وداعاً صديق العمر.