لم يكد يمر أسبوع واحد على وقف إطلاق النار فى الحرب على غزة التى استمرت 50 يوماً، حتى اخترقت إسرائيل الهدنة وأطلقت النيران على صيادين فلسطينيين فى البحر المتوسط، ورغم ذلك استمرت الاحتفالات فى القطاع المحتل من حركة حماس، بما يعتبرونه انتصاراً.
لا أعرف أى انتصار حققه فرع جماعة الإخوان الإرهابية فى فلسطين، حتى تحتفل وتمد الموائد، ويستقبل القيادى بها إسماعيل هنية، ذلك الرجل الخرف يوسف القرضاوى، هل تحتفل بأن العدو هو الذى ترفّع عن إبادتها وإبادة القطاع بأكمله، مؤقتاً، وسيفعل ذلك لاحقا، إذ لم تنته الحرب الأخيرة إلا بوعد مع حرب جديدة كما حدث فى أعوام 2008 و2009 و2012، أم تحتفل بمقتل أكثر من 2000 شخص من أبناء القطاع البائس، وجرح أكثر من 11 ألفاً آخرين، وتدمير 22 ألف منزل وتشريد 500 ألف مواطن، مقابل 70 قتيلاً إسرائيلياً فقط، لا شك إذن أن تل أبيب ستحرص على منح حماس المزيد من هذه الانتصارات فى المستقبل.
قادة الحركة أعلنوا أنها حققت انتصاراً ما بعده انتصار، وهى كوميديا لم يصل إليها عمرو عبدالجليل، أو أحمد حلمى، أو ماجد الكدوانى، فبحسابات الربح والخسارة، إسرائيل انتصرت بنسبة 99.9%، لكن الحركة اعتبرت أن مجرد بقائها على سطح الحياة السياسية، بغض النظر عن الخسائر الفادحة التى ألحقتها قوات الاحتلال بالشعب الفلسطينى وبقطاع غزة كله، هو الهدف، وهو نفس ما حدث بعد هزيمة يونيو 1967 التى احتلت فيها إسرائيل ما تبقى من فلسطين، وسيناء بأكملها وصولاً إلى قناة السويس غرباً، وشمالاً إلى هضبة الجولان التى مازالت محتلة، إذ احتفل حزب البعث السورى بأن إسرائيل لم تستطع إسقاط أنظمة الحكم الثورية التقدمية وقال أحد قادة الحزب «هزمت سوريا، وانتصر حزب البعث»، وحتى الآن لا أعرف نوعية الحشيش الذى كان يتعاطاه ذلك الزعيم ليعلن هذا الانتصار.
إنها نفس الطريقة.. انتصرت حماس ودُكت فلسطين، انتصرت الحركة لأنها لم تدخل تحت لواء السلطة الفلسطينية الشرعية فى الضفة ومازالت تحتل القطاع منذ أكثر من 8 سنوات، لينطبق عليها تماماً ما قاله الرئيس محمود عباس، أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب، الأسبوع الماضى، من أن حماس تؤمن بالديمقراطية مرة واحدة، هى المرة التى تصل فيها إلى السلطة.
ولم يكن متوقعاً أن تصل الوقاحة إلى الاحتفال بانتصار هو أولاً وأخيراً لمصر التى قادت المفاوضات سياسياً، وأطلقت مبادرة وقف إطلاق النار، وهى المبادرة التى تمنّعت عليها الحركة، حين كان عدد الضحايا 200 فلسطينى ثم عادت ووافقت عليها حين قفز العدد إلى 2000 قتيل.
نفس منطق جماعة الإخوان، لا يهمها ماذا وكم يخسر الوطن، لكن كم تكسب هى، انظر إلى كم الخراب والدمار والدماء التى يحدثها أعضاء الإخوان فى مصر من أجل استعادة سلطة يبكون عليها كالنساء لأنهم لم يحفظوها كالرجال.
الأكثر خطورة من هذا الانتصار المزيف هو تراجع حماس عن الخطوة المتواضعة جداً التى تحققت على صعيد الوحدة الوطنية الفلسطينية بتوقيع اتفاق المصالحة بين الفصائل، وقفزها من سفينة منظمة التحرير، وقبولها بحل فى غزة يكون بديلاً للحل فى القدس والضفة الغربية، لكنك لن تندهش من هذه الخطوة إذا عرفت أن وراءها هدفاً أسمى فى عُرف الإخوان، وهو أن تتضاءل الأحلام الفلسطينية إلى حد القبول بدولة فى غزة يمكن استخدامها كخنجر فى ظهر النظام المصرى الحالى، ولذلك إذا رأيت الشرطة تقتل الإخوان بالرصاص، فلابد أن تطالبها باستخدام البيروسول.