مصريون مغتربون بنيجيريا فى مواجهة فيروس «إيبولا»

كتب: ريهام العراقي الإثنين 08-09-2014 20:54

ما بين الخوف من الإصابة بفيروس «إيبولا» القاتل أو الحرمان من فرصة عمل طالما حلموا بها لسنوات لتوفير حياة كريمة لأسرهم، يتمزق المصريون العاملون فى دولة نيجيريا غربى القارة الأفريقية وإحدى بؤر الإصابة بالفيروس القاتل. لا يغيب عن بال العاملين هناك صور المصابين المحتجزين فى المستشفيات أو جثث الوفيات، يطاردهم شبح الإصابة والموت دون علاج والموت فى بلد غريب دون وداع أحبائهم، حسبما يروون حكاياتهم لـ «المصرى اليوم» عبر الهاتف إلا أن الخوف يتلاشى مؤقتًا كلما سمعوا أصوات أبنائهم عبر الهاتف ودعوات الأمهات بالعودة إلى الوطن سالمين.

«المصرى اليوم» تحدثت عبر الهاتف مع عدد من العاملين المصريين فى شركات مصرية فى نيجيريا، تحفظوا على ذكر أسمائهم، رصدت فيها مخاوفهم من الإصابة بالفيروس القاتل الذى لم يتم اكتشاف علاج له حتى الآن، ومحاولاتهم عدم الاختلاط بجيرانهم وزملائهم النيجيريين تجنبًا للإصابة بالعدوى ليصبحوا فى غربة إضافية.

«حالة من التعتيم الإعلامى فى نيجيريا حول الفيروس» يشرح (م.خ)، محاسب فى إحدى شركات المقاولات فى نيجيريا، حرص الحكومة النيجيرية على عدم الإفصاح عن عدد المصابين والوفيات. يقول: «الحكومة النيجيرية ترفض الحديث عن الفيروس وإظهار المشكلة الحقيقية عبر وسائل الإعلام والكشف عن عدد المصابين والوفيات نظرًا لوجود عدد كبير من الشركات الأحنبية المستثمرة فى واحدة من كبرى وأغنى بلاد القارة بالموارد الطبيعية، وهو ما سيضر بالاقتصاد القومى للبلد الذى يعانى من ارتفاع كبير فى نسبة البطالة».

يوضح المهندس (م. س)، مهندس فى قطاع الأعمال الكهروميكانيكية بالشركة المصرية، أن أولى حالات الإصابة بفيروس «إيبولا» ظهرت فى نيجيريا منذ شهر ونصف الشهر، فى مدينة لاجوس، العاصمة القديمة للبلاد، قبل أن تنتقل العدوى لـ 18 شخصًا، تُوفى منهم 6 حالات، بالإضافة إلى وصول الإصابة إلى العاصمة الجديدة أبوجا. يقول المهندس المصرى المقيم فى نيجيريا: «تعد مدينة لاجوس، أو العاصمة القديمة، من أكبر الموانئ على المحيط الأطلنطى، ومن أكثر المحافظات ازدحامًا بالسكان، وهى واحدة من المدن التجارية الكبرى فى منطقة غرب أفريقيا ويصل إليها مئات الجنسيات، وهو السبب الرئيسى فى وصول الفيروس إلى البلاد وإصابة عشرات المواطنين، ووفاة بعضهم، حسب تصريحات وزارة الصحة فى نيجيريا».

وحول استعدادات المستشفيات فى نيجيريا لاستقبال الفيروس، يؤكد المهندس (م.س) أن إمكانيات المستشفيات متواضعة، ويتوقف دورها على محاولة عزل المريض المصاب بالعدوى عن الآخرين، كما أن ضعف الإمكانيات وغياب وسائل الطب الوقائى تسبب فى إصابة اثنين من فريق العمل فى أحد المستشفيات بالفيروس.

يقدر المهندس المصرى أعداد المصريين فى العاصمة أبوجا بنحو 120 مصريًّا، «رضينا بالغربة ووحشة البعد عن الأهل لتوفير حياة كريمة لأبنائنا، خاصة وأن فرص العمل لم تعد متوفرة بعد قيام ثورتين فى مصر، رغم الرعب والإحباط بسبب إعلان نيجيريا دولة موبوءة بالفيروس، ولكن عندما نتذكر الأوضاع المعيشية الصعبة فى مصر والبطالة نقرر البقاء وتحمل تبعات القرار من أجل زوجتى وأولادي».

يشير المحاسب (م.خ) إلى أن الخروج إلى الشارع فى الأحوال العادية ودون وجود وباء الإيبولا يمثل مغامرة غير مأمونة العواقب بسبب ارتفاع حالات الخطف وطلب الفدية والسرقة باستخدام الأسلحة النارية، إلى جانب وقوع انفجارات فى الشوارع والميادين بشكل متكرر. يقول: «إحنا أصلًا مهددين قبل الوباء إما بالخطف أو الموت فى تفجير. وصلت هنا فى نيجيريا منذ عام ونصف، نصحنى زملائى الأقدم لحظة وصولى بعدم التنزه فى الشوارع والاكتفاء بالذهاب إلى موقع العمل فقط والعودة إلى الاستراحة، والابتعاد عن الميادين والتجمعات بسبب ارتفاع حالات الخطف ووقوع الانفجارات من وقت لآخر».. يقول المحاسب المصرى المقيم فى العاصمة النيجيرية.

تشابه الأعراض الأولية بين فيروس «إيبولا» والملاريا والتيفود، يخلق حالة من الرعب بين المصريين، على حد وصف (م.خ). يقول: «لو كانت الأعراض مختلفة كنا هدينا شوية من الرعب دا. نسبة التلوث مرتفعة بشكل كبير، وبالرغم من حرصنا على عدم تناول أى أطعمة من أماكن عامة أو شرب مياه الصنبور إلا أننا أصبنا جميعنا بالتيفود والملاريا، خاصة وأن الصرف الصحى مكشوف فى معظم ولايات نيجيريا فيما عدا أبوجا العاصمة».

ساعات من الرعب عاشتها الجالية المصرية الصغيرة فى العاصمة النيجيرية عندما أصيب واحد منهم بنفس أعراض «إيبولا». يقول (م.خ): «كاد قلبى يتوقف خوفًا على صديقى الشاب، وما زاد الرعب أن العدوى لو كانت بالـ «إيبولا» فإن ذلك يعنى أننى أيضا فى عداد الأموات، لكننى تحركت مع أصدقاء مصريين هنا إلى أحد المستشفيات لأخذ عينة إلا أن التحاليل أثبتت عدم إصابته بالفيروس، فرجعنا إلى البيت سريعًا خوفًا عليه من انتقال العدوى داخل المستشفى».

إعلان منظمة الصحة العالمية نيجيريا إحدى الدولة الموبوءة بالفيروس بعد إصابة عدد من مواطنيها ووفاة بعضهم، لم يؤثر كثيرًا فى الاحتياطات الصحية لقطاعات واسعة من الشعب النيجيرى.

يصف المهندس (م.س) تعامل المواطنين النيجيريين مع اعتبار بلدهم منطقة موبوءة بالفيروس: «نيجيريا من أكثر دول القارة من حيث الكثافة السكانية، ويصل عدد السكان نحو 180 مليون نسمة. ورغم أن الوفيات بالفيروس القاتل ليست كثيفة إلا أن الدولة تعاملت مع الأمر دون تضخيم، واكتفت وزارة الصحة بتعليق منشور ورقى أعلى الجدران فى الشوارع والميادين يضم بعض الإرشادات لتجنب العدوى، لكن أعدادًا محدودة من المواطنين التزموا بالإرشادات بسبب ارتفاع نسب الأمية، والكثافة السكانية. فقط أطباء المستشفيات هم من يحرصون على ارتداء الكمامة والقفازات». يضيف: «الإرشادات إجمالا بسيطة وليست معقدة، وهى تجنب أى أماكن مزدحمة، وغسل الأيدى باستمرار، وارتداء الكمامات فى الشوارع، وعدم السلام بالأيدى أو العناق، ومكافحة الحشرات، خاصة الناموس لأنه يساعد على انتشار العدوى».

خمسة أعوام كاملة قضاها المهندس (س. ر)، أحد المصريين العاملين فى شركة مقاولات فى نيجيريا، حرص فيها على شراء أدوية نزلات البرد والأنفلونزا من مصر لتجنب الذهاب إلى المستشفيات فى نيجيريا، سوى فى حالات الإصابة بالملاريا أو التيفود التى يضطر فيها إلى العلاج تحت إشراف الأطباء النيجيريين، نظرا لانتشار المرضين بكثافة فى نيجيريا إلا أنه مع ظهور «إيبولا» وعدم وجود علاج للقضاء عليه، اتبع (س) عدة خطوات للوقاية من العدوى: «امتنعنا عن مصافحة النيجيريين وملامستهم بقدر المستطاع، حتى السلام فيما بيننا كمصريين أوقفناه، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة ومحاربة الناموس برش المبيدات أو رش إسبراى على المناطق المكشوفة من الجسم لمنع الناموس من الاقتراب من أجسادنا». يضيف: «بنعيش فى حالة رعب بسبب أن الإصابة بالإيبولا سهلة وبتنتقل عن طريق إفرازات الجسم مثل العرق والبصاق والدم ورذاذ الفم أو الأنف، ولو واحد مصاب بالإيبولا والعرق بتاعه جه على واحد يصاب بالعدوى وده شىء سهل حصوله نظرًا لارتفاع درجة الحرارة فى نيجيريا والازدحام الكبير».

الدكتور على محمد ذكى، أستاذ المايكروبيولوجى فى جامعة عين شمس ومكتشف فيروس كورونا القاتل، يعرّف «إيبولا» بأنه مرض فيروسى خطير ترتفع نسبة وفيات المصابين به إلى 100%، وتم اكتشافه عام 1976 بقرب نهر إيبولا فى دولة زائير، جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليًا، ويعتبر الإيبولا فى نسخته عام 2014 الأكثر شراسة منذ اكتشافه. ينتقل الفيروس من الحيوان إلى الإنسان من خلال ملامسة الخفافيش والتعامل المباشر مع الحيوانات الحاملة للفيروس.

يُفرّق ذكى بين أنواع إيبولا قائلًا: «هناك أنواع مختلفة من الفيروس تختلف فى التركيب الجينى، ولكنهم عائلة واحدة يطلق عليهم filoviridoe وهى إيبولا زائير، إيبولا السودان، إيبولا ريستون، إيبولا tai، وإيبولا bundibugyo». يوضح ذكى أن أهم الأعراض تتمثل فى ارتفاع درجة حرارة المريض، والصداع الشديد والآلام فى العضلات، ثم ترتفع الأعراض إلى القىء والإسهال ثم النزيف الدموى حتى الوفاة، وينتقل الفيروس بالملامسة المباشرة للدم أو أى سوائل من المريض مثل البول أو اللعاب والقىء والبراز والسائل المنوى، وأن فترة حضانة الفيروس تتراوح بين يومين و21 يومًا إلا أن الفيروس من الممكن أن يتواجد فى السائل المنوى لمدة ثلاثة أشهر دون علم صاحبه.

يشير ذكى إلى أن الأكثر عرضة للإصابة هم أفراد الأطقم الطبية التى تعتنى بالمريض وأفراد الأسرة والأصدقاء الذين خالطوه أثناء فترة المرض، أو حتى أثناء عمليات دفن المصابين، لذلك من المهم التعرف المبكر على المريض لدعم علاجه، إضافة إلى عزله لمنع عدوى الآخرين، والتعامل معه بواسطة فريق مدرب على مكافحة العدوى فى حالات الحمى النزيفية، واستخدام الوسائل الوقائية المناسبة لمنع عدوى الطاقم الطبى مثل القفازات وارتداء الماسك وعدم ملامسة العين وارتداء غطاء كامل للوجه، وغسل اليدين بصورة متكررة بعد ملامسة المريض وخلع القفازات الملوثة».

ينفى ذكى وجود مصل لعلاج الفيروس: «لا يوجد علاج مسجل أو تطعيم حتى الآن لعلاج إيبولا، لكن يتم علاج المريض بالسوائل والأملاح ودعمه بالأكسجين واستخدام مضادات حيوية فى حال حدوث إصابة بكتيرية بالتزامن مع الإصابة بالفيروس». أستاذ علم المايكروبيولوجى ومكتشف فيروس كورونا القاتل فى السعودية، لا يستبعد وصول إيبولا إلى مصر وذلك من خلال انتقال مريض حامل للمرض أثناء فترة الحضانة، مطالبا جميع وزراء الصحة فى الدول الأفريقية بالاستعداد السريع لتشخيص المرضى فى المعامل المعنية بذلك، وعدم التعتيم الإعلامى والاعتراف بخطورة الفيروس وعقد دورات وندوات علمية بصورة مستمرة للتعريف بالفيروس وطرق العدوى والوقاية وكيفية التعامل مع المصابين، خاصة مع مرضى الحمى النزيفية لأن الإيبولا أحد أشكال الحمى النزيفية، إلى جانب التعرف والتدريب على طرق استخدام وسائل الحماية الشخصية.

يشرح الدكتور عماد الهاشمى، مدير الحجر الصحى بمطار القاهرة الدولى، أنه لا توجد خطوط مباشرة بين مطار القاهرة وغينيا وليبيريا وسيراليون، وهى الدول التى ظهر فيها الفيروس، عدا نيجيريا، وتتخذ الدولة إجراءات وقائية مع القادمين من دول غرب أفريقيا لمنع دخول «إيبولا» إلى مصر، عبر متابعة الحالات القادمة من تلك الدول، وتحرير كروت صحية شاملة فيها كل بيانات الراكب لإرسالها للمديريات الصحية لمراقبته الصحية لمدة 21 يومًا بعد العودة.

يؤكد الهاشمى عدم استقبال أى حالة مصابة بـ «إيبولا» حتى الآن، مشيراً إلى أنه فى حالة الاشتباه فى أى أعراض للفيروس يتم حجز الراكب ووضعه تحت الملاحظة بمستشفى حميات العباسية دون أخذ مضادات حيوية: «نظراً لعدم وجود مصل لإيبولا حتى الآن، فإن العلاج يقتصر على (العلاج التحفظي) لرفع المناعة من خلال شرب السوائل وأخذ مخفضات للحرارة ونقل الدم إذا احتاج المريض لذلك».

وحول إمكانية وقف رحلات الطيران إلى نيجيريا مثلما قام عدد من الدول العربية بعد إعلانها دولًا موبوءة بالفيروس من قبل منظمة الصحة العالمية؛ يقول الهاشمى: «إن هذا قرار استراتيجى تتخذه رئاسة الجمهورية أو وزارة الصحة، كما أن مصر ليست مثل أى دولة عربية، لأنها دولة محورية وسط دول أفريقيا ومن الصعب اتخاذ مثل هذا القرار، خاصة أن منظمة الصحة العالمية لم تعطِ حتى الآن معلومات واضحة وصريحة».

يستبعد الهاشمى أن يكون موسم الحج فرصة لانتشار الفيروس وخروجه على السيطرة، لأن المملكة العربية السعودية منعت بالفعل مواطنى الدول التى ظهر فيها الفيروس من تأشيرات الحج، إلى جانب حرص وزارة الصحة توزيع مستلزمات مكافحة العدوى على الحجاج ومقدمى الخدمة من طواقم الأطباء والتمريض.