انتقالية.. لا انتقامية

سليمان جودة الأربعاء 09-02-2011 08:00

لا أحد بيننا، الآن، سوف يملك شجاعة الدفاع عن الوزراء والمسؤولين السابقين، المحالين إلى أجهزة التحقيق، ولا أحد بيننا سوف يملك شجاعة القول بأن أى واحد منهم، أو غيرهم، حين يذهب إلى جهات التحقيق، فإنه متهم، وليس مداناً.. مع الفارق الهائل بين «المتهم» وبين «المدان»!

لا أحد بيننا، الآن، يملك شجاعة القول بأن كل واحد فيهم، مهما كانت التهمة الموجهة إليه، ومهما كان حجم اختلافك أنت معه، أو حتى رفضك له، إنما هو برىء تماماً إلى أن تثبت إدانته من قضاء عادل.

كلنا، تقريباً، نسينا تماماً هذه القاعدة القانونية المهمة، وأصدرنا أوامر مسبقة بالإدانة، دون أن ننتظر لنرى ماذا سوف يؤدى إليه التحقيق، وماذا سوف يقول القضاء!

أقول هذا الكلام، دون أن أخص أحداً من المحالين للتحقيق، بالدفاع، أو الهجوم، ولكنى أخص المبدأ، وأدافع عنه، وأقول إننا إذا لم نكن نملك شجاعة الجهر بتلك القاعدة القانونية المهمة على الملأ، فإننا يجب أن نملك شجاعة الدفاع عن عقولنا فى العلن!

عقولنا يجب أن تقول إن «الاتهام» إذا كان بطبيعته لا يعرف المنطق، وإنما يعرف الإثارة وحدها، فإن عقولنا، وعقولنا وحدها، هى التى يجب أن نلوذ بها، ثم إليها، هذه الأيام، حتى لا تتحول هذه الفترة الانتقالية، إلى فترة انتقامية، دون أن ندرى!

يجب أن نعتصم بعقولنا، وأن نتمسك بها، وألا نسمح لأحد بالتالى أن يجرفنا معه إلى اتهام أى أحد دون دليل، بل إلى إدانته قبل اتهامه، وهذه هى المأساة الحقيقية.. وإلا.. فسوف يتردد أى إنسان، وهو يرى ما يجرى الآن، إذا عرضوا عليه أن يتطوع بأداء أى دور فى مجال الخدمة العامة لبلده.. سوف يتردد كثيراً، وسوف يرفض قطعاً، وهو يرى أن آخر خدمة الغز- كما يقال - علقة!

يجب أن نعرض ما يقال على عقولنا، وأقول عقولنا وحدها، لنرفض بها، ما لا يصدقه العقل، وما يصطدم مع المنطق، وألا نسمح بتحريض الجميع ضد الجميع على نحو ما يجرى الآن، وإلا.. فسوف لا يبقى واحد بيننا، بغير تهمة، بل وبغير إدانة مسبقة!

صحيح أن هذا هو موسم التحول، إذا صح التعبير، وصحيح أننا نجد أمامنا أشخاصاً يتحولون فجأة، من الأبيض إلى الأسود، ودون مراحل التحول التدريجى التى تعرفها طبائع الأشياء، وصحيح أن تحولات كثيرة، مما نتابعها، تتم بشكل حاد، من مساندة نظام مبارك على مدى سنوات، إلى الهجوم عليه فجأة، دون حياء.. وصحيح.. وصحيح.. ولكننا، فى كل الأحوال، يجب أن نحترس، وأن نمتلك، مرة ثالثة وعاشرة، شجاعة الدفاع عن عقولنا، قبل الدفاع عن أى أحد، وألا يكون المتهم مداناً حتى تثبت براءته.. وإنما العكس دائماً هو الصحيح طول الوقت.. وإلا.. فسوف يصبح الكل.. نعم الكل.. مداناً دون تحقيق، ودون قضاء!