القول بأن الفيلم ينتقد مواقع «التواصل الاجتماعي» ويتناول ظاهرة العنوسة مزاعم باطلة فما شاهدناه على الشاشة لا يشي بشيء من هذا !
ما القاعدة التي تضعها الشركة المنتجة قبل أن تكرر التعاون مع النجم أو النجمة أو الكاتب والمخرج إذا لم يكن على رأس هذه القاعدة نجاح الفيلم في حصد الإيرادات الضخمة،وتحقيق التجاوب النقدي المتوقع ؟
في العام 2012 أبرم المنتج أحمد السبكي اتفاقاً مع الكاتب خالد جلال والمخرج وائل إحسان لتقديم فيلم كوميدي تقوم ببطولته ياسمين عبد العزيز ويحمل عنوان «الآنسة مامي»، لكن التجربة خيبت التوقعات، وفشل الفيلم في تحقيق الآمال المعقودة عليه، ومن ثم ساد يقين جازم أن الجمع سينفض، ولن تقوم لهذه المعادلة الإنتاجية والفنية قائمة مرة أخرى لكن المفارقة تمثلت في عودة الرباعي مع منتصف العام 2014، لتقديم فيلم جديد بعنوان «جوازة ميري» لم تكن مشكلته مقصورة في اتهامه العلني بأنه ارتكب جريمة السطو على الفيلم الأميركي This Means War «انها الحرب إذن» (إنتاج 2012) إخراج ماك جي وبطولة ريز ويزرسبوون،وإنما في عجز كاتبه،ومخرجه،عن تمصيره أو إضفاء واقعية على أحداثه !
في البداية حمل الفيلم عنوان «مطلوب عريس» قبل أن يتغير إلى «جوازة ميري» من منطلق أن الفتاة «بيري» (ياسمين عبد العزيز) تبحث عن العريس المناسب الذي تثأر به لنفسها من فتاها «رامي» (المطرب خالد سليم)،الذي هجرها إلى غريمتها،وتقودها المصادفة للوقوع في غرام شابين هما : «سيف» (حسن الرداد) و«آدم» (كريم محمود عبد العزيز) ينتميان إلى جهاز أمني رفيع،لكنها تجهل سر علاقة العمل التي تربطهما معاً فضلاً عن عمق الصداقة الإنسانية التي تجمع بينهما،في حين يسعى كل واحد منهما إلى الفوز بها،وتدبير المقالب التي تُطيح بالمنافس ليخلو الطريق إلى قلبها !
دقة قلب
مواقف ومقالب تُذكرك،أيضاً،بالصراع الذي احتدم بين محمود ياسين وسمير صبري للفوز بميرفت أمين في فيلم «دقة قلب» (إنتاج 1976) تأليف فاروق صبري وإخراج محمد عبد العزيز،لكن افتقار فيلم «جوازة ميري» إلى المصداقية كان واضحاً منذ الوهلة الأولى،بالإضافة إلى افتقاده الحبكة التي تتسم بالمنطق،والمواقف الدرامية اليقظة التي تُجبر الجمهور على التعاطف مع ما يجري أمامه على الشاشة؛إذ يبدو الأمر وكأن الكاتب خالد جلال ترك كل شيء للسطحية ولاجتهاد الأبطال،الذين تفرقت بهم سبل الأداء؛فغلب الافتعال والمبالغة على أداء ياسمين عبد العزيز،بينما اجتهد كلُ من حسن الرداد وكريم محمود عبد العزيز في البحث عن «سكة الأداء» التي تُسهم في تميزهما،وتضفي مسحة كوميدية على دوريهما،لكن فقر الخيال،وشُح المشاعر، أحالا العمل إلى تجربة جامدة تتسم بالخشونة ولا تخلو من الفتور والبرودة !
في اللقطات الأولى من الفيلم سترى ياسمين عبد العزيز،وهي تستخدم البخاخة المخصصة لمرضي الربو،وستشاهدها وهي تستقل دراجة بخارية،وتضع على رأسها خوذة للحماية،ووقتها سيُخيل إليك أن البطلة مريضة بالربو،وأنها تملك روحاً مُغامرة تجمع بين الجرأة والشجاعة،لكن سرعان ما ستُدرك أنها تفاصيل زائدة لن تحتاج إليها،وأنها مجرد فتاة طائشة تستعد للاحتفال بعيد ميلادها مع خطيبها «رامي» (المطرب خالد سليم)،وأصيبت بصدمة عندما فضل عنها صديقتها،ومن ثم تسعى إلى البحث عن العريس الذي اشترطت أن تعقد قرانها عليه قبل يوم واحد من الموعد الرسمي لحفل زفاف «رامي» و«هنا»،على سبيل رد اللطمة !
بالكاد نتبين أن «بيري» تمتلك «حضانة» خاصة للأطفال،في حين نتعرف،بسهولة،إلى طبيعة عمل الشابين الصديقين «سيف» و«آدم» في قسم مكافحة الإرهاب،عبر مشهد ساذج اقتحما فيه غرفة بأحد الفنادق للقبض على «الديب» (مجدي إدريس) الذي يهرب منهما بينما يموت شقيقه الأمر الذي يدفع رئيسهما اللواء «نبيل» (بيومي فؤاد) إلى تعنيفهما،واتهامهما بالفشل،لكن الفيلم يتحول إلى فاصل من «الاسكتشات» المستهلكة،التي تعكس الخيال الكسيح،والطموح المحدود؛فالغيرة ليست كافية لوضع بناء درامي مُحكم،ومبالغات ياسمين عبد العزيز لا تنقذ المواقف السخيفة من الوقوع في فح الهزل والعبث، وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي لم يُضف جديداً،على صعيدي الشكل والمضمون؛فالإيحاء بأن موقع «زواج دوت كوم» كان سبباً في التعارف بين «بيري» و«سيف» (حسن الرداد) بدا مفتعلاً،وخيال كاتب النص خالد جلال لا يتجاوز أحياناً مرحلة فيلم «تمن دستة أشرار» (إنتاج 2006)،بينما يبدو التركيز واضحاً على الشخصيات الرئيسة الثلاث مقارنة بالشخصيات الدرامية الأخرى،التي عانت من تهميش كبير؛كما هو الحال مع شخصية الأب «السلاموني» (صلاح عبد الله الذي فضحه تواضع مستواه) والصديقة (بدرية طلبة التي خرجت من السباق)،بل أن المؤلف ضيع الفرصة على الجمهور لمتابعة مباراة كوميدية رائعة بين حارسي الضابطين (أحمد فتحي وياسر الطوبجي)،في حين فشل المخرج وائل إحسان في السيطرة على جموح ياسمين عبد العزيز،وانفلاتها،وميلها إلى المبالغة بشكل يُفسد الأداء،ويسيء إلى الشخصية،بعكس الاجتهاد الواضح من جانب «الرداد» و«كريم»،والطفل يوسف سالم .
ضل طريقه
ظلت المفاضلة بين الضابطين،والتركيز على مَثالِب ومناقب ُكل واحد منهما،وكذلك المكايدة النسائية،قائمة حتى اللحظة الأخيرة،من دون أن ترى جدوى لما تراه أمامك على الشاشة من أحداث،ثم لجأ الكاتب،ومن بعده المخرج،إلي حشو الفيلم بالكثير من المشاهد الدرامية الزائدة (متحف الفن التشكيلي الذي تُذكرك فكرته بمشاهد كثيرة سابقة )،والثرثرة الفارغة،والمقالب الخشنة التي لا تستشعر فيها وجود للإبداع،أو تشتم فيها رائحة الكوميديا،ولولا التنفيذ التقني الجيد لمشاهد الحركة (مدير التصوير سامح سليم)،لما توقفنا عند المخرج وائل إحسان،الذي ضل طريقه كثيراً في هذا الفيلم تماماً مثل الكاتب خالد جلال،الذي تأرجح أسلوبه بشكل واضح؛فهو من ناحية يعتمد السخرية اللفظية من الأعمال القديمة (عش البلبل،احكي يا شهر زاد،حصل خير وآدم وجميلة) أو ما أصطلح على تسميته فن «البارودي».ومن ناحية أخرى يصك حواراً غاية في الطرافة،وينأى تماماً عن التقليدية؛مثلما فعل في حوار الضابطين مع القيادي الكبير بالداخلية (بيومي فؤاد) ثم يعود،فجأة،ليقع في فخ التكرار،فيما يفشل المخرج وائل إحسان في الخروج بنتيجة فنية مُرضية مع المطربة «بوسي» بمخارج ألفاظها المرتبكة،واختيارها غير الصائب،ومع الاجتهاد الواضح لمهندس الديكور تامر فايد،نتساءل عن الهدف من جمع عمرو عاصم بين تحمل مسئولية المونتاج ووضع الموسيقي التصويرية؛ فالفيلم مترهل،والموسيقى صاخبة،ومن دون توظيف درامي يستحق الذكر،باستثناء التوظيف الطريف للأغاني في مشهد السيارة الذي جمع بين حسن الرداد وياسمين عبد العزيز !
فيلم «جوازة ميري» ينطلق من حجة ساذجة لا تكاد تصلح لوضع أساس درامي قوي،ومن ثم كان من الطبيعي أن ينهار البناء،ويُعاني الفيلم بأكمله من خلل عجل بالصورة السيئة التي انتهي إليها،ولم تُفلح معها محاولات «الترقيع» التي لجأ إليها الكاتب خالد جلال؛كافتعال موقف ارتياب «بيري» في «سيف» بسبب علاقته الوطيدة والطفل (يوسف سالم)،قبل أن يوضح لها انه ابن شقيقته وصديقه الضابط الذي استشهد على أيدي ارهابيين،وتذكر الكاتب واقعة الإرهابي «الديب» الذي هرب في بداية الأحداث،وعادت عصابته لتختطف «بيري»،في محاولة يائسة لافتعال معركة عبثية على غرار مشاهد الحركة في أفلام «شوارزنجر» و«فان دام»،ورغم الإتقان الواضح في تنفيذ مشاهد الحركة من الناحية التقنية إلا أن الأداء التمثيلي المتواضع، من جانب الرداد،عبد العزيز وياسمين، ومسحة الثقة التي بلغت حد الغرور،أساءت كثيراً إلى التنفيذ،وخصمت الكثير من مصداقية مشاهد الحركة !
حل توافقي
مع اقتراب النهاية تتفاقم أزمة الكاتب خالد جلال والمخرج وائل إحسان بصورة لم أعهدها من قبل؛فالعثور على «العريس» الذي يُرضي غرور البطلة،ويُنهي المنافسة لصالحه،يبدو من سابع المستحيلات،والانحياز لحسن الرداد أو كريم محمود عبد العزيز قد يثير مشكلة إنتاجية،حسبما هو متوقع،ومن ثم كان الحل «التوافقي» الذي ارتاح إليه أصحاب فيلم «جوازة ميري» أن تختار البطلة الاثنين معاً (!) لكن نظراً لأن نهاية كهذه قد تثير حفيظة المتشددين دينياً،في حال النظر إليها،من ناحية جهة أو شخص،بوصفها ضد الشرع،وتخالف الدين،وربما تُحرض على الفسق والرذيلة،كان الحل،كما تابعناه في نهاية الفيلم أن جرى الإيحاء البصري بأنها اختارت «سيف» (حسن الرداد) بينما رأينا،حسب تكوين الكادر،غريمه «آدم» (كريم محمود عبد العزيز)،وقد ظهر في ليلة العرس،وهو مرتدياً أبهى ثيابه،وكأنه «العريس» أيضاً،بدليل أنه راح يرقص مع المدعوين،كما فعل «سيف» بالضبط،على إيقاع وكلمات أغنية للمطربة «بوسي» كعادة أفلام «السبكية»،وهي نهاية مدسوسة لا تتفق والمقدمات التي ساقها الكاتب والمخرج طوال أحداث الفيلم !
أما القول بأن فيلم «جوازة ميري» ينتقد مواقع «التواصل الاجتماعي» حين يصفها بأنها مواقع «الضياع الاجتماعي»،وأنه يتناول ظاهرة العنوسة أو معاناة الفتيات من عدم الزواج،فهي مزاعم باطلة لا تخلو من مغالطة،وتحمل تجنياً كبيراً على الحقيقة،فما شاهدناه على الشاشة لا يشي، على الإطلاق، بشيء من هذا؛ فالفيلم يلخص أزمة فتاة مدللة ومرفهة تنتمي إلى الطبقة المخملية لم تستطع أن تتحمل قرار فتاها بهجرها،والارتباط بأخرى، فما كان منها سوى أن ثأرت لكرامتها المزعومة،وافتعلت معركة تافهة قامت بعدها بمغامرة ساذجة للبحث عن العريس الذي تكايد به فتاها أو عشيقها القديم،ولأن التفاهة كانت عنوان المغامرة منذ البداية جاءت النهاية انعكاساً للتفاهة، ومطابقة لمفرداتها. والنقطة الأكثر أهمية التي خرجنا بها من تجربة «جوازة ميري» أن السطو على أفكار الأفلام الأجنبية لم يعد كافياً لصنع فيلم متماسك،بل ينبغي، في المقام الأول،مراعاة الواقع المصري،والإلمام بتفاصيله،ومفرداته،ثم التعبير بصدق وواقعية عن قضايانا، وهي القواعد التي لم يقترب منها أصحاب هذا الفيلم الذي فشل في أن يكون كوميديا .. أو مصرياً !