من ميدان التحرير إلى الرئيس مبارك: «إنت إيه!.. مازهقتش»

محمود الكردوسي الثلاثاء 08-02-2011 08:00

استهل الرئيس مبارك ربع القرن الثانى من حكمه - أى ولايته الثانية- وهو فى كامل لياقته:

■■ شهوة الحكم لم تخفت: «سأواصل معكم مسيرة العبور إلى المستقبل، متحملاً المسؤولية وأمانتها، مادام فى الصدر قلب ينبض ونَفَس يتردد».. الرئيس فى افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة - 19 نوفمبر 2006

■■ الاستقرار مازال خياراً استراتيجياً: «لو جئت بحكومة من الملائكة.. الناس سوف تسأل عن التغيير أيضاً».. الرئيس لمصطفى بكرى - «الأسبوع» 15 يناير 2007

■■ الشعب أصبح فوق الدستور: «لنفترض أن الشعب طالب باستمرار هذا الرئيس أو ذاك لأكثر من مدتين متتاليتين.. فلماذا أحرمه من ذلك؟».. الرئيس لمصطفى بكرى - «الأسبوع» 15 يناير 2007

■■ الدين لـ«الإخوان» والوطن لـ«الوطنى»: «من هنا أقول إن تيار جماعة الإخوان المحظورة هو خطر على أمن مصر».. الرئيس لمصطفى بكرى - «الأسبوع» 15 يناير 2007

■■ السلام عقيدة: «أقسم بالله ما شممت رياح الحرب ولا أريد أن أشمها».. الرئيس رداً على سؤال «يديعوت أحرونوت»: هل كنتم تشمون رياح الحرب؟ - «الأهرام» 5 يناير 2007

■■ السلام أمانة: «وأنا قلت هذا الكلام لأحد المسؤولين عندكم فى أثناء الحرب».. الرئيس رداً على سؤال «يديعوت أحرونوت»: هل خسرت إسرائيل الحرب فى لبنان؟ - «الأهرام» 5 يناير 2007

■■ البحث عن مشروع وطنى لم يتوقف: «حسناً.. فربما عندما تبدأ إيران تشتغل يمكن تبقوا أصحاب فى يوم ما وتشتغلوا ضدنا. لأ.. أنا أشوف حالى وأدافع عن بلدى أنا وغيرى».. الرئيس رداً على سؤال «يديعوت أحرونوت» حول الخطر الإيرانى النووى على مصر - «الأهرام» 5 يناير 2007

■ ■ ■

وبصفتى واحداً من «الشعب»، الذى هو طبعاً فوق الدستور وتحت جزمة الرئيس، ولأن أتفه جندى أمن مركزى فى دولاب هذا النظام يستطيع أن يرسلنى وراء الشمس- حيث يقيم زميلنا رضا هلال - أو يرمينى فى غيابة الجُب ويردمه فوق رأسى، فقد قررت أن أغامر وأتهور وأمنح نفسى لأول وآخر مرة حق مساءلة الرئيس.. مثلما أعطيته الحق فى أن يحكمنى كل هذه السنوات.

■ ■ ■

لا تندهش يا سيادة الرئيس، ولا تدع أحداً من رجالك أو حوارييك يفسد عليك فطنتك وحسن تقديرك. فأنت طيار مخضرم.. يعرف متى يضرب ومتى ينسحب ومتى يدخل بالطائرة فى دشمة للعدو. لا تحلق فى مجال راداراتهم، ولا تدع أحداً يؤول خطابى هذا لحسابه الخاص، فالسياسة ليست مَنْ وماذا تضرب، بل متى وكيف تضرب!. السياسة لا تتحمل أن تدخل بالطائرة فى دشمة، لأن الخصوم تغيروا، والطائرة أصبحت مشحونة بالأرواح البريئة. السياسة لا تتحمل أن تحلق بركابك ربع قرن يا سيادة الرئيس، فى حين أن المهمة انتهت ونفد الوقود منذ سنوات، فاهبط فى سلام، وسلم شارة القيادة إلى شخص يختاره الركاب بكامل إرادتهم، بلا نفاق أو خوف، قبل أن تنفجر الطائرة.

■ ■ ■

سيادة الرئيس

لا شىء يجمعنا سوى حق وواجب: لى عليك كل الحقوق، وواجبى أن يكون خطابى مهذباً. وإذا انحرف لسانى وتجاوزت فاعذرنى، فقد طفح الكيل ولم أعد أفهمك، وبينى وبينك بلد ينحدر إلى هوة سحيقة، قد لا يخرج منها إلا بكارثة أو معجزة، وكلانا يتفرج!.

لقد بدأنا معاً يا سيادة الرئيس.. بالصدفة بدأنا معاً: أنا تخرجت فى كلية الإعلام- جامعة القاهرة- فى مايو 1981، وأنت بدأت حكمك على جثة سلفك الراحل فى أكتوبر 1981. حياتى العملية بدأت وأنت رئيس لمصر، وها هى توشك أن تنتهى وأنت لاتزال رئيساً لمصر.. فماذا تسمى ذلك؟

لا أخفيك أننى بعد ربع قرن من العمل فى مهنة الصحافة أشعر بالملل، وأحلم باليوم الذى أجلس فيه مع أسرتى لأستمتع بما أنجزت.. إن كنت قد أنجزت شيئاً. لكننى مع الأسف «مربوط فى ساقية» مثل ملايين المصريين، لا أملك رفاهية الجلوس مع أسرتى.. فما بالك أن أجلس مستمتعاً!.

■ ■ ■

سيادة الرئيس

يقولون إن شهوة الحكم لا يغلبها زهد أو تجرد، ولا تخضع لوقت أو قانون. لكننى رغم ذلك أسألك بصدق: ألم تشعر بالملل؟.. مازهقتش؟.. ألا تريد أن تستريح من مهنتك القاسية تلك.. مهنة الحكم؟.. ألم تسمع عن قهوة المعاشات يا سيادة الرئيس؟.. ألا تحن إلى دور شطرنج مع أحد رفقاء ضربتك الجوية الأولى؟.. ألا تريد أن تجلس معززاً مكرماً بين أولادك وأحفادك، تتأملهم سعيداً مزهواً وهم يمخرون عباب التاريخ متوجين بسيرتك؟.. ألا يكفيك ربع قرن لتدخل التاريخ.. وتخرج مصر من الجغرافيا؟

أريد أن أسألك: ما الذى يغريك ويجعلك مصراً على حكم أكثر من ثمانين مليون مواطن مصرى؟ لماذا تتحمل عبئهم ومطالبهم وهى لا تنتهى؟ هم لا يريدونك، وأنت لا تحبهم. وإذا كانوا صبروا عليك أكثر من ربع قرن حتى الآن فلأنك كبيرهم: احترامك ضرورة، والخوف منك شجاعة، فلماذا تصبر عليهم أنت؟ لماذا لا تفسخ العقد من جانبك ؟.. هل فى حكمهم سحر أو لذة؟.. أهو قدرٌ من أعلاهم أم عمل من أسفلك ؟

لو كنت مكانك يا سيادة الرئيس لجربت أن أترك المصريين يحكمون أنفسهم بأنفسهم وأرحت قلبى من هذا الهم الثقيل. وتأكد أنهم لو فشلوا فسيعودون إلى حظيرتك زاحفين مثلما زحفوا إلى عبدالناصر عندما تنحى، رافعين راية: «نحن نستحقك وأنت تستحقنا».

■ ■ ■

لا تؤاخذنى يا سيادة الرئيس: مصر بلدى كما هى بلدك، ولى فيها مثلما لك وزيادة. أنت ملاّحها وأنا ملْحها. أنت فى الموقع «الأقوى» لأن لديك نظاماً وأمناً وطابوراً خامساً وقمصاناً واقية وكلاباً مسعورة، وأنا فى الموقع «الأفضل» لأننى لا أتحصن إلا بعريى. أنت مسجون فى «امتيازات الرئيس»، وأنا «لا أملك شيئاً فيملكنى» كما قال شاعر القضية محمود درويش.. أيام أن كان هناك شعر وكانت هناك قضية. لكننى أرى- رغم هذا الفارق الرهيب - أن من واجبى أن أذكّرك بأن مصر أكبر من أن تظل خمسة وعشرين عاماً أخرى فى «عصمة» رجل واحد، حتى لو أصبحت على يديه قوة عظمى.

إذا لم تكن أنت مللت.. فمصر ملّت و«اتخنقت» وبدأت تتململ كما ترى، لأنها «لم تعد مستمتعة». وإذا كنت تعتقد أن مصر «بنت ناس ومتربية» وستخجل قبل أن تثور أو تخون.. فأنت مخطئ يا سيادة الرئيس. فقد خانت عبدالناصر فى 1967 لأنه انشغل عنها بنفسه، وقتلت أنور السادات فى 1981 لأنه انشغل عنها بغيرها، فماذا تنتظر أنت؟..

بل ماذا ينتظرك؟

■ ■ ■

اعتبرنى ساذجاً أو مجنوناً وقل لى يا سيادة الرئيس: هل حقاً تشعر بنا؟ هل تعرف ما يجرى لنا هذه الأيام؟ هل يعجبك حالنا إن كنت ترانا أصلاً؟ هل تقرأ صحفاً وتشاهد فضائيات؟..

هل تقرأ الصحف بنفسك أم تُتلى عليك؟ إذا كانت تُتلى عليك فمن يكون ذلك الناصح الأمين الذى «يفلترها» ويطهرها ويضعها بين يديك بيضاء من غير سوء؟ هل رأيت صورتك فى الفضائيات، حتى إذا كان بعض هذه الفضائيات عدواً لك ولنظامك، أم أنك اكتفيت بـ «البيت بيتك» و«صباح الخير يا مصر»؟ هل شاهدت الهراوات وهى تحصد رعاياك، لا تمييز بين قاضٍ فى الستين وبائع مناديل فى إشارة مرور؟

هل شاهدت وجه أحمد سبع الليل (أحمد زكى فى «برىء» عاطف الطيب ووحيد حامد) وهو يتوقف ذاهلاً، مراجعاً نفسه، عندما صرخ فيه أحد المتظاهرين: «هتضرب أخوك»؟ ماذا قال لك رجالك يا سيادة الرئيس؟

هل قالوا إن الأمن يحميك إذ يحطم كاميرا مصور صحفى أو تليفزيونى؟ ألا يوجد بين حوارييك من يحبك بصدق، ليحذرك من خطورة أن يتوقف «أحمد سبع الليل» فجأة عن ضرب شرفاء هذا الوطن، ويلتفت بهراوته الغليظة إلى الوراء.. فلا يرى سوى صورتك؟

■ ■ ■

كفاك عناداً يا سيادة الرئيس. الجوع أصبح حزاماً ناسفاً حول البطون، والقهر أصبح إصبعاً على الزناد. كفاك عناداً وقل لى بحق القسم الذى حكمتنا بموجبه: ألا تشم رائحة الفساد وقد فاحت من كل موقع؟ ألا تريد أن تحاسب أحداً؟ ألا تشعر أن كلمة «استقرار» أصبحت حقاً يراد به باطل؟ ألم يشفع لنا موتنا غرقاً وجوعاً واحتراقاً ويأساً وقهراً لكى تجرب كلمة «تغيير» ولو مرة واحدة؟ لماذا لا يعيش لنظامك شرفاء يا سيادة الرئيس، وكلما راهنا على أحدهم تخسره قاصداً وكأنك تكرهنا.. كأننا أصفار وأنت «واحدنا»؟

■ ■ ■

انظر بنفسك يا سيادة الرئيس: أصبحنا فى ذمتك شعباً كئيباً ومكتئباً، مريضاً وعاجزاً، تافهاً وعدوانياً ويأكل بعضه بعضاً. ولو سألت عن «سعر» المصرى فى بورصة البشر لاكتشفت أنه أرخص من نشارة الخشب. انظر بنفسك ودعك من تقارير حوارييك، فهى خادعة ومغرضة. جرّب مرة أن تكون مواطناً عادياً لترانا على حقيقتنا، وترى نظامك من الموقع الأفضل وليس الأقوى: بؤساء يواجهون تنيناً متعدد الرؤوس والأجنحة.

امشِ متخفياً فى شوارع القاهرة وتفحص وجوهنا لتعرف بالضبط: «مصر رايحة على فين»!. امشِ فى شارع رمسيس، واحسب كم مصفحة وكم ضابطاً وكم جندياً يحاصرون نخبة من شرفاء هذا البلد: صحفيون ومحامون وقضاة وأطباء ومهندسون يرفعون شعاراً واحداً: «لا لمبارك»..

لا فرق بين شيوعى وإخوانى!. اشرد عن موكبك مرة واسأل الواقفين فى إشارة التحرير وقد أطفأوا سياراتهم والتهبت صدورهم غلاً وغيظاً: من الذى يعتقلكم هنا ولماذا؟ ستكتشف أن شعبك لم يعد يريدك يا سيادة الرئيس إلا بقدر ما يخشى أن ينام بلا عشاء، وأن هذا يعنى - إذا دققت – أنه ينتظر حاكماً أفضل. وإلى أن يأتى سيظل كل منكما فى حاله: هو يريد.. وأنت تفعل ما تريد، وهذا أضعف الإيمان.

■ ■ ■

مصر تآكلت يا سيادة الرئيس.. حتى لم يعد فيها دولة ولا نظام.. بل أنت ولا أحد غيرك. أحزابها اهترأت، ومعارضتها خُصيت، وقضاؤها انتهك، وإعلامها تخلف، وثقافتها شوهت، وبرلمانها يصفق لك وحدك، وأمنها يضرب شرفاءها ليحميك، ووزراؤها أحجار على رقعة شطرنج.. أنت ملكها.

يقول حواريوك إن شعبك يلتف حولك!. والحق أن شعبك يحاصرك بصبره وسكوته، فاترك الرقعة قبل أن تسمعها فاضحة، مدوية:

كش ملك!.

■■ نُشر هذا المقال - ببعض التصرف - فى «المصرى اليوم» بتاريخ 25 يناير 2007