(مللت).. وجدت أنه لا فائدة من رسائل الرجاء والكتابة والتوضيح عن هموم المواطن الواضحة عياناً بياناً أمام أصحاب الكراسى، وهى ليست مسامير على الكراسى، ولكنها مشاكل تتكاثر وتصبح بقدرة قادر عظيم ريش نعام يريح كل على كرسيه بداية من السعاة فى دوائر الحكومة إلى أعلى الكراسى!!
مللت من البحث عن عناوين تصحى النائمين.. حتى عمر بن الخطاب مات من زاااماااان ولم يعد له أثر عند حاكم أو محكوم لم يبق منه إلا كلمة يا عمر!!
التى تقولها النسوة لبعضهن فى حوارى مصر المحروسة!!
فقط لا أمل ولا يعترينى الزهق وتتجدد خلاياى كلما احتسيت من كاسات الأبنودى وجاهين المليئة بخمر الوطن وجمره وأنا ممن يشحذون الوجدان من عيون الشعر، فقد تربيت فى بيتنا على يد أب كلما أخطأ أحد منا رفع صوته قائلاً وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء!!
فظللنا نحتسى المتنبى وشوقى وحافظ وعلى الجارم وبيرم ـ وكان صديقاً للوالد ـ واكتسينا بجاهين والأبنودى وخطف كل منهما وجدانى حتى امتلأ، ولفت قلمى لحظات من الجرأة بأحرف ساذجة أردت أن أحيى بها الأبنودى كما قدمتها تحية لجاهين من قبل حينما انفعلت بملحمته الرائعة (على اسم مصر) قلت للأبنودى إلى الأبنودى كلمة الوطن
أرمى السلام لابن أبنود اللى زارع فى قلوبنا أمل
وأرمى السلام للى يجرى كلامه فى عروقنا عمل
لعل هذا السلام يعشش فى قلبه ويطرح لنا مواويل
الله عليك يا ابن أبنود وكل بيت من بيوتك فى القلوب ساكن
طبعاً جراءة منى ولكنها جراءة المحبين وقد هزتنى كلمات جاهين وملحمته الرائعة (على اسم مصر) فكانت الجرأة المتناهية والتى أنقل منها للقراء فى آخر مغامرة ربما فقدت قرائى أو ربما احتفظت بهم قال جاهين فى ملحمته مصر النسيم فى الليالى وبياعين الفل.
ومراية بهتانة ع القهوة أزورها وأطل
ألقى النديم طل من مطرح ما أنا طليت
وألقاها برواز معلق عندنا فى البيت
بذمتكم ده كلام ما يملاش القلب فى حب مصر؟
كلام عمره أكثر من ثلاثين سنة.. لما كانت روح المصريين كده بالظبط!.. هيه راحت فين؟
وجدتنى أمسك القلم بحماس رغم ضعف الموهبة لأحيى صلاح جاهين كتبت أقول:
عينى عليك كل ليلة يا ابن عمى جاهين
فى موكب الرؤيا طالع والعيال ملايين
والقلة: تروى العطاشة ساعة المغرب
وكلامك الحلو يروينى كما الصايمين
لولا ولدنا العبقرى الذى يذوب مصرية بلال فضل الذى أجاز الكلمات بإعجاب لما جرأت على نشرها لكم ولعل هذه الاستراحة الكتابية تدوم!
فنحن نكتب ونعانى من البحث عن مخرج، وهم لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يفعلون.. والله على ما أقول شهيد.. قبل أن يصبح وطنى شهيد!
قبل الطبع
رحل الفنان الذى شق الحجر وأتى من عمق مصر.. رحل فنان الجينات المتواصلة منذ العصر الفرعونى وحتى الآن.. رحل العظيم إبراهيم عبدالملاك تاركاً الأمل والتواصل بما كتب وبما همست يداه بمصرية شديدة على اللوحات، وما نحتت يداه من خشب السرسوع القوى شخوصاً وطيوراً وأفكاراً تعيش لتثبت أن المصرى هو هو.