5 ساعات بين السيسي ووزير التعليم.. هل تكفي لإصلاح الجريمة؟

أحمد الدريني الأحد 24-08-2014 18:25

ربما كان اجتماع السيسي الأهم، منذ توليه مقاليد السلطة، هو الذي جرى الأسبوع الماضي مع وزير التعليم وامتد قرابة 5 ساعات كاملة، في دلالة بالغة الرمزية.

وبمعزل عن طموح الرجل في مشروع تنمية محور قناة السويس، وبعيدا بعض الشيء عن مشروعاته الأخرى التي يريد أن يدشن بها أساسات حكمه ويرمي عليها أعمدة دولته، فإن الاهتمام الحقيقي، وليس المصطنع بالتعليم، هو الأهم مطلقا.

هو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. هو استثمارنا المستقبلي، وإصلاح جذريُ للحظتنا الراهنة المعقدة والكريهة.

(2)

حين تبحث عن الدول الأفضل في نظمها التعليمية، لن تجد الولايات المتحدة ولا بريطانيا ضمن الدول العشرة الأوائل! بل ستفاجأ بكوريا الجنوبية وفنلندا وسنغافورة واليابان.

وقد اعتمدت هذه الدول على نظريات تعليمية، متحررة كل الشيء من النظم التقليدية البليدة المتبعة في بلداننا.. لا واجبات، لا امتحانات حتى بلوغ الثالثة عشرة أحيانا، لا نكد، لا هم، لا رسوب..فقط الكثير من المرح والكثير من بناء الملكات النقدية المتقدة، وتحصيل المعارف الإنسانية الضرورية.

لقد فطنت هذه الأنظمة إلى ضرورة بناء الإنسان (عقله وأفكاره وخيالاته)، وإلى احتياجات الأطفال الملحة للعب والمرح والانطلاق، لذلك تم ابتكار طرق موازية لتمرير المواد العلمية الأولية وطرق تعليم الحسابات البسيطة، وابتكارات تدريس العلوم والجغرافيا.

وهو ما يلفتنا إلى أن نظام السجن والتنكيل المعمول به لدينا في مصر، والمسمى مجازا بالنظام التعليمي المصري، بحاجة إلى النسف من جذوره.

فوفقا للبيان الإعلامي الصادر عن اجتماع الرئيس بوزير التعليم فإنه تم تغيير 30% من المناهج التعليمية كمرحلة أولى مع تطوير الـ70% المتبقية، ويتم استكمال التغيير للمناهج على مدار ثلاث سنوات، ومراعاة تحديثها دوريًا بطريقة مستمرة ومرنة بما يواكب متغيرات العصر، وتأليف مناهج متطورة في العلوم والرياضيات بمرجعية عالمية.

ورغم سعادتي بالـ30% التي تم نسفها من مناهجنا السقيمة، إلا أني مهموم بالـ70% المتبقية وبخطة التخلص منها. ومهموم أكثر بالـ100% الجديدة التي سيتم اعتمادها، فمن الذي سينتقي موادها ومنهجها وآلية تعليمها وتلقينها؟

هذه تساؤلات ضرورية أظن أن الرئاسة ووزارة التعليم مطالبة، بكشفها وعرضها على الرأي العام للنقاش. إذ إنك لن تطور التعليم بمعزل عن المدرس والطالب وولي الأمر!

(3)

حين نؤمن بأن لهؤلاء حق المعرفة الأصيلة فيما يخطط لأجل مستقبلهم، وحق إبداء الرأي في نظام جار اعتماده بغرض تلافي آثار سنوات من الإفساد الغبي في الحياة التعليمية، فإننا حينها يمكن أن ننجح ونكسر الجدار.

لا أطالب بعزل الخبراء والمتخصصين ولا أريد إقصاء خبرات مصر من عقولها المهاجرة التي خططت لكل شيء في الأرض، من إنشاء الطرق لكتابة الدساتير لوضع النظم التعليمية لبلدان أخرى، لكنها لم تفعل هذا لمصر، لأنها منعت أو لأن أحدا لم يلتفت إليها.

بوضوح، أطالب بإشراك الجميع، إذ إنه قرارنا المستقبلي الذي سنجني ثماره ونتحمل عواقبه سويا، ولن يتحمله السيسي بمفرده أو ينسب فضله للسيسي وحده.

بل ربما أتبنى تصورا متطرفا، وأدعو إلى وقفة جدية مع الذات، يتم على أثرها تعطيل الدراسة عاما أو عامين، لحين ابتكار مناهج تعليمية جديدة، مصممة خصيصا للطالب المصري، بعد إخضاع عدد من أطفالنا من أعمار مختلفة لاختبارات ذكاء متباينة، إلى أن نصل لخلطتنا الذاتية وابتكارنا الأصيل.

بالطبع مع الأخذ في الاعتبار المقاييس العالمية الجديدة التي تضبط عمل عملية التعليم في البلدان الأكثر تطورا في هذا المجال.

وبالمثل، نستغل هذه الوقفة في إعادة تأهيل المدرس المصري نفسيا ومعرفيا وماديا، لخوض تجربة جديدة في التعليم والتدريس، تجربة لا يخوضها تحت تحديات معيشية قاسية، ولا في فصول أقرب لأفران الهولوكوست تضم 80 تلميذا في بعض الأحيان.

إفذا كان العالم يتحدث عن التجربة السنغافورية في التعليم، فلماذا لا نخترع التجربة المصرية؟ لماذا لا نثق في أنفسنا ونقطع شوطا بعيدا للأمام، مكاسبه الاستراتيجية أكبر وأضخم من إخفاقاته القريبة، على كل المستويات؟

دع مصر تحس أن بمقدورها أن تفعل..أن تخترع..أن تغامر ..ودع العالم يراقبنا، يراقب نجاحنا وإخفاقنا، دعه يحس أننا أمة لديها رغبة في العيش والتقدم، غذ هذا الشعور لدى شعبك ولدى الدنيا بأسرها!

دعونا نشعر أننا أمة لها حياة ولها تجربة!

التطور، يحتاج إلى الخيال، وما لم نتخيل، لن نتقدم خطوة واحدة للأمام.

أظن أن 5 ساعات، رغم طول وقتها، إلا أننا بحاجة إلى عشرات الساعات لنحسم خيارنا المستقبلي الأكثر خطورة. سيما إذا أردنا أن ننتقل من خانة المقلد إلى خانة المبتكر..

أو كما قال المتنبي: من راقب الناس مات هماً..وفاز باللذة اللهج الجسورُ!