■ يروى الأستاذ محمد حسنين هيكل، فى كتابه «المقالات اليابانية»، قصة تفكير الرئيس السادات فى تمويل الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون. يقول الأستاذ هيكل: «استدعانى الرئيس السادات يوماً يسألنى عن رأيى فى عرض قُدّم إليه بالاشتراك فى تمويل حملة نيكسون الثانية عام 1972. قال السادات إن هناك (12) مليون دولار مطلوبة الآن لتمويل حملة نيكسون، خمسة ملايين دولار سوف تتحملها السعودية، وخمسة ملايين أخرى تتحملها الكويت، والوسطاء يطلبون من مصر (2) مليون دولار، مراعاة لظروفها المالية».
■ يقول الأستاذ هيكل: كان رأيى أن تبتعد مصر عن هذه اللعبة الخطرة.
■ يلفت الانتباه أن تاريخ تلك الرواية كان حساساً وخطيراً للغاية، حيث جرى التفكير فى ذلك قبل عام واحد من حرب أكتوبر وبعد عامين فقط من حرب الاستنزاف وخمسة أعوام من النكسة.
■ وظنى أن الرئيس السادات الذى كان يعرف جيداً ماذا يريد وماذا يستطيع، كان يفكر فى هذه الأثناء على نحو ما كان بعد ذلك، كان يفكر فى حرب مُزَلْزِلَة لإسرائيل.. ثم فى تسوية سلمية تُعوّض بالسياسة حدود السلاح، كان تقدير السادات أنه يحارب إسرائيل وما وراء إسرائيل، وأن الدعم السوفيتى لبلادنا ليس بما يكفى للحسم العسكرى.. ومن ثم فإن ركيزة القوة الأولى فى حربنا المقبلة مع إسرائيل هى الجندى المصرى.. تخطيطاً وإعداداً وقتالاً، وأن عبقرية الجيش ستغطى عجز السلاح، غير أن ذلك كله لن يكون بإمكانه حسم الصراع مرةً واحدة وفى حربٍ واحدة، لذا لابد من السياسة لتكمل الطريق.. وكان تقدير السادات أقرب للمقولة الاستراتيجية الأشهر: «الحرب هى امتداد للدبلوماسية»، ولكن بصورة أخرى، والدبلوماسية امتداد للحرب، ولكن بصورة أخرى، فاعتمد السادات الحرب والسياسة معاً فى معركة شاملة. وأذكر أننى سألت الفريق «الشاذلى» عن الخيار الاستراتيجى إذا لم يكن خيار السادات الذى يشمل الحرب والسلام معاً.. وكان تقدير الفريق الشاذلى الذى سمعته منه أنها الحرب مرة ثانية وثالثة ورابعة.
رؤية الفريق الشاذلى تنتصر لفكرة الحرب المفتوحة حتى لو امتدت قرناً من الزمان.. وهى رؤية وطنية جسورة.
رؤية الرئيس السادات.. أن الحرب المفتوحة لن تكون فى صالحنا.. وأن الوقت فى صالح إسرائيل.. لأن كل عام يتأخر فى استرجاع سيناء.. ستكون المستوطنات والمهاجرون اليهود والسلاح الأمريكى قد صعّبوا كثيراً من الحرب التالية، فى قولةٍ واضحة.. كان السادات يفضّل أن تكون الحرب السادسة بين مصر وإسرائيل (حرب ما بعد 1973)، تبدأ من نقطة أفضل.. سيناء معنا وجيشنا هناك وسكّاننا يقطنون أراضينا.. لا مستوطنين ولا مستوطنات، وربما أراد السادات من التفكير فى تمويل حملة نيكسون أن يسهّل الجزء الثانى من المعارك الدبلوماسية بعد معارك السلاح.
يرى الأستاذ هيكل أن مشاركتنا فى تمويل حملة نيكسون لعبة خطرة، وهذا صحيح تماماً، ولكن متى كانت إدارة السياسة فى الأزمات الكبرى بعيدة عن الخطر. إن الكل يلعب فى أمريكا ويعبث فى أمريكا بل ويعبث بأمريكا، لماذا لا نكون ضمن اللاعبين هناك؟ لماذا لا نشارك فى شراء ما نستطيع شراءه واستقطاب من نستطيع استقطابه هناك؟! كتب الأستاذ محمد المنشاوى قبل فترة: لماذا لا نتدخل فى الشؤون الداخلية للولايات المتحدة.. وأكرر السؤال بدورى: لماذا لا نتدخل؟!
لماذا تأخرنا كل هذا الوقت فى تأسيس لوبى مصرى فى أمريكا؟!