المشهد المصري والمشهد الأمريكي في احتجاجات فيرجسون

أحمد الدريني الأربعاء 20-08-2014 21:51

المشهد في فيرجسون، يمكن أن تقسمه- باطمئنان- إلى نصفين، أحدهما مصري، والثاني أمريكي.

فبعد اندلاع احتجاجات واسعة على خلفية مقتل الشاب غير المسلح مايكل براون على يد ضابط شرطة أمريكي، بدا أن المشهد في الولايات المتحدة غير مفهوم لكثيرين.

احتجاجات عنيفة من قبل سكان مدينة فيرجسون بولاية ميزوري، ورد أعنف من الشرطة بقنابل الغاز والرصاص المطاطي.

المشهد على نحو أو آخر بدا مقتبسا من مصر، شرطتها ومتظاهريها!

ولم يستوعب كثيرون كيف تقدم الشرطة الأمريكية على هذا الإجرام دون التقيد بمدونات حقوق الإنسان، وآليات فض التجمعات السلمية والمظاهرات.

أي نعم تحول الأمر لسيرك دولي، تبرعت فيه القاهرة وموسكو وبيكين وطهران بمعايرة أمريكا لخرقها حقوق الإنسان علانية، غير أن المكايدة السياسية في رسائل العواصم الأربع كانت أكثر جلاء من مجرد "حميتهم" لحقوق الإنسان، المهدرة بطبعها في بلدانهم.

بل تفضل أحد لواءات وزارة الداخلية المصرية بإسداء نصائح للشرطة الأمريكية عبر مداخلة هاتفية على إحدى القنوات الفضائية، من واقع خبرته الجليلة كـ"فضاض" اعتصامات مخضرم.

أي نعم تحدث بلغة حقوقي مرهف، يقضي ليله ونهاره في متابعة أوضاع حقوق الإنسان في بلاده، غير أن المداخلة تفوقت في كوميديتها ما عداها.

ثم تدخلت منظمة العفو الدولية على الخط قائلة: على الولايات وقف الخروقات التي ارتكبتها ضد حقوق الإنسان قبل أن تعطي الآخرين دروسا فيها.. وطالبت بتحقيق حول الخطط البوليسية التي انتهجتها الشرطة الامريكية في التعامل مع المتظاهرين.

وكأن الآية انعكست!

الشرطة الأمريكية، ليست شرطة رقيقة، ولا يعمل بها المرهفون من الفنانين والرسامين والنشطاء الحقوقيون، هي كالشرطة في معظم بلدان العالم، موبوءة بعدد لا بأس به من المختلين نفسيا، ومن الذين تخرج المهن السلطوية أسوأ ما فيهم.

(2)

وقبل ذلك ، تم توثيق (مشاهد) عمليات فض اعتصام "وول ستريت" في خريف 2011 ، وكيف تعاملت معها الشرطة الأمريكية بوحشية، طالت السيدات تحرشا وتعرية وضربا وسحلا.

الشرطة الأمريكية كما النظام الأمريكي السياسي.. منحطة.

والإدارة الأمريكية فيما يخص حقوق الإنسان، ترافع راية حق يراد بها باطل. هي التي عذبت وتعذب في جوانتانامو، وهي التي عذبت وتعذب على متن ناقلات بحرية وجوية كي لا يقع عليها حرج قانوني بثبوت التعذيب على أراضيها، وهي التي أرسلت معتقليها كي يتم تعذيبهم بالوكالة في بعض البلدان العربية.

بلداننا كارهة لحقوق الإنسان محتقرة لها.. وبالمثل الولايات المتحدة كارهة.

ومن ثم كان الموقف في ميزوري مثاليا لترد لها العواصم الحانقة الصاع صاعين في مشهد فرط كوميدي.

(3)

إلى هنا، تتماثل القصتان بين مصر وأمريكا.

مقتل شاب غير مسلح على يد الشرطة.. احتجاجات واسعة.. رصاص مطاطي وقنابل غاز.. نشر لقوات الحرس الوطني في الشوارع..

غير أن الفارق سرعان ما أثبت نفسه.

أعلنت الشرطة خلال48 ساعة عن اسم الضابط القاتل، منوهة بسجله الوظيفي غير المنضبط. ثم سرعان ما وعدت جهات التحقيق بالكشف عن ملابسات القتل، مشيرة إلى أن التقرير المبدئي يشير إلى تلقي الشاب الأسود مايكل براون ست رصاصات منها اثنتان في الرأس.

ثم وعدت جهات التحقيق بالبحث في إذا ما كان مايكل قد مات متألما أم لا!

احتراما لفجيعة أسرته ومحاولة لطمأنتها بأنه لم يتعذب بالرصاصات الست كاملة، بل انقضى أجله سريعا!

(4)

الشرطة كيان في تجليات كثيرة له، غير منضبط إنسانيا ولا نفسيا.

ففي الدانمارك، الدولة الاسكندنافية المترفة التي تراعي حقوق الإنسان بالورقة القلم، جهزت الشرطة أقفاصا حديدية لاحتجاز المحتجين المحتملين ضد أعمال قمة المناخ عام 2009 في العاصمة كوبنهاجن!

وجرى التعامل مع المحتجين على نحو عنيف، لم يستوعب كثيرون آنذاك كيف يصدرهذا في مثل هذه الدولة المتقدمة الراقية.

ومن ثم فإن المعايرات الحقوقية بين الدول، مجال مفتوح، ربما لا توجد ضمانة حقيقية لغلقه أو لتناوله بمعزل عن الضغط والشماتة السياسية.

(5)

أعجبني جدا حث الخارجية المصرية واشنطن على ضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين، لقطة سياسية ذكية وطريفة.

لكنها ستعجبني أكثر حين يحث السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري، زميله اللواء محمد إبراهيم على ضبط النفس واحترام حقوق الإنسان.