طائر الشعر الفلسطينى يفقد جناحه الثانى ولكن لا يسقط

سمير فريد الأربعاء 20-08-2014 21:33

لم أنس سميح القاسم أبداً، ولكنى لم أتصور أن تكون المرة الأخيرة التى أتذكره فيها وهو على قيد الحياة فى مقال السبت الماضى عن الذين بقوا فى بلادهم فلسطين، بعد إقامة إسرائيل على أرضها عام 1948، وببقائهم أصبحت هناك قضية فلسطين.

ولم يكن مجرد بقاء من بقوا من الشعب الفلسطينى فى إسرائيل كافياً لتصبح القضية قضية، فهم لم يبقوا لكى تستمر الحياة فقط، وإنما أيضاً لمقاومة التهميش ولإثبات فساد المقولات الصهيونية العنصرية عن شعب بلا أرض وأرض بلا شعب وغيرها، وتأكيد وجود الهوية الفلسطينية بالمحافظة على التراث الثقافى الوطنى واستمراره والإضافة إليه، بل التعاون مع أنصار السلام من يهود إسرائيل الذين يؤيدون حقوق الشعب الفلسطينى ويؤمنون بأنهم سوف يعيشون معاً فى النهاية على نفس الأرض عاجلاً أم آجلاً.

ويعلمنا التاريخ أن المقاومة ليست بالسلاح فقط، وأنه حتى المقاومة بالسلاح تحتاج إلى الفنون والآداب لتقوى وتنتصر، وفى المقدمة منها الشعر، وفى المقدمة من شعراء المقاومة الفلسطينية محمود درويش الذى فقدناه عام 2008 وسميح القاسم الذى فقدناه أمس. وقد شكل كلاهما جناحى طائر الشعر الفلسطينى المعاصر الذى حلق عالياً فى العالم كله، ولكنهما لم يكونا وحدهما، ولن يسقط طائر الشعر الفلسطينى، وإنما سوف يحلق بالعديد من الشعراء.

وقد كان حظى سعيداً بالتعرف على محمود درويش فى أول يوم وصل فيه إلى القاهرة لأول مرة عن طريق الأستاذ لطفى الخولى، رحمه الله، عندما كان رئيساً لتحرير مجلة «الطليعة»، وشرفنى باختيارى عضواً فى هيئة تحرير ملحق الأدب والفن مع درويش وصبرى حافظ برئاسة الدكتورة لطيفة الزيات.

وكان حظى سعيداً أيضاً بالتعرف على سميح القاسم فى أول يوم وصل فيه إلى القاهرة لأول مرة عن طريق الأستاذ وصديق العمر الراحل رجاء النقاش، الذى كان أول من كتب عن درويش وشعراء المقاومة وقدمهم إلى القراء العرب، وبلغ إعجابه بسميح إلى درجة أنه أطلق اسمه على ابنه المخرج السينمائى سميح النقاش.

وذكرياتى كثيرة مع درويش والقاسم، ولكنى أذكر منها بوجه خاص أول مؤتمر صحفى للقاسم فى القاهرة عندما سأله حنجورى طيب: كيف ترضى بحمل جواز سفر إسرائيلى؟ ولم يندهش ولم ينفعل، وإنما قال له إننى أفعل ذلك تضحية من أجل الوطن. وداعاً أيتها النفس الجميلة الصافية، هل اشتقت إلى رفيق عمرك درويش، أم اشتاق إليك؟

samirmfarid@hotmail.com