أتى الحديث حول إعادة تفعيل اتفاقية المعابر أو إبرام اتفاقية أخرى مشابهة ليشكل محاولة من جانب الأطراف الدولية والإقليمية لتفادي الانزلاق إلى حرب جديدة في قطاع غزة قد يتسع مداها هذه المرة ليصبح من الصعب إيقافها، ولتتحوصل كما حذرت أطراف متعددة إلى «حرب استنزاف طويلة» تضر بمصالح الطرفين المتحاربين.
وتعود أهمية الحديث عن اتفاقية المعابر إلى أنها توفر أساسا جيدا للعودة إلى المفاوضات من نقطة ارتضاها الجانبان في وقت سابق، وتسمح بتحقيق أهدافهما معا، فتعطي إسرائيل بعض الضمانات الأمنية بعدم تهريب السلاح إلى قطاع غزة، وتسمح لقطاع غزة بالحصول على ما يحتاجه من سلع وإنهاء حالة الحصار المستمرة منذ عام 2007، حيث توفر الاتفاقية مجموعة من الأسس التي تم وضعها لحصول كل طرف على احتياجاته في ظل رقابة من الطرف الثالث (الاتحاد الأوروبي).
ولاشك أن من شأن العودة إلى اتفاقية المعابر، أو اتفاقية مشابهة، أن تمنح مخرجا لنتنياهو الذي لا يرغب في اتفاق يعكس تغيير أوضاع ميزان القوى - نسبيا - على الأرض حتى لا يخسر شعبيته السياسية تماما، وهو قد يقبل باتفاقية مماثلة يمكن تسويقها بأن هذا ما قبلناه في 2005 ويمكن قبوله ثانية دون أن يخرج محليا بمظهر المهزوم في معركة كبد فيها الفلسطينيين 12 ألف شهيد وجريح.
وعلى الجانب الآخر، تعلم المقاومة الفلسطينية أنها بحاجة إلى التوصل إلى صيغة بين ما يريده شعب غزة من رفع كامل للحصار بدون شروط وبين ما هو ممكن من رفع كامل للحصار مع ضمانات أمنية حتى لا تستمر الحرب بكلفتها البشرية والمادية الضخمة على القطاع.
ويوفر إبداء الجانب الأوروبي استعداده للإشراف على المعابر فرصة ذهبية للطرفين للعودة إلى الاتفاقية القديمة، حيث إن غزة لن تقبل بإشراف إسرائيلي أو أمريكي أو حتى عربي، كما لن تقبل إسرائيل بإِشراف تركي، مما يجعل الإشراف الأوروبي الحل الأمثل للطرفين، فإسرائيل تثق بأن أوروبا لن تسمح بمرور السلاح لغزة ولا تخشى المقاومة تعنتا أوروبيا في إيصال السلع المختلفة لداخل القطاع.
وتبقى التفاصيل الدقيقة لكي تشكل العقبة الرئيسية أمام الاتفاق، وأهم تلك التفاصيل الميناء والمطار والسلع ذات الاستخدام المزدوج. ففيما يختص بالأخيرة فإن إسرائيل تريد أن تفرض قيودا شديدة على دخول المعادن ومواد البناء والمواد التي تدخل في تصنيع المتفجرات إلى القطاع، على الرغم من أن لكل تلك المواد استخدامات مدنية، غير أن تمكن المقاومة من تصنيع الصواريخ يثير المخاوف الإسرائيلية في هذا الصدد، بينما لا يرغب سكان القطاع في أي قيود على إعادة إعمار غزة بل تنميتها.
أما أزمة المطار والميناء فتتمثل في أن ذلك سيفرض التوسع في الرقابة السهلة نسبيا إذا كانت فقط على المعابر، وتوسع من دور المبعوثين الأوروبيين وتثير المخاوف الإسرائيلية من تعدد المنافذ لقطاع غزة وزيادة احتمال اكتشاف أي ثغرة يتم تهريب الأسلحة منها.
كما أن الجانب الفلسطيني يرفض تماما ما كان قائما من وجود كاميرات إسرائيلية يمكن لتل أبيب من خلالها التأكد من سير العمليات على مختلف المنافذ الحدودية للقطاع.
وتوفر اتفاقية المعابر – كما كانت أو معدلة - فرصة للتوصل إلى اتفاق يحقق ما يطالب به الفلسطينيون أولا، كما توفر بعض الضمانات لتل أبيب، غير أن الشيطان يبقى دائما كامنا في التفاصيل التي قد تُنجح الاتفاق وقد تفشله.