ما النتيجة التى انتهى إليها أبو مازن من انفتاحه على إسرائيل؟
أمران: الأمر الأول أنه تلاحم مع «حركة السلام الآن» التى تضم جميع محبى السلام فى إسرائيل، ولكن الذى لفت انتباهه هو أن مسار السلام، لدى الحركة، لم يكن محدداً. والأمر الثانى أن اليهود الشرقيين من الأندلس والذين كانوا يقيمون فى البلدان العربية مختلفين عن اليهود الأشكنازي ممؤسسى الدولة الإسرائيلية، إذ يلفهم الغموض ويقفون فى أسفل السُلم الاجتماعى، ولكنهم يتميزون بأنهم أشد شراسة فى عدائهم للعرب، إذ ارتأوا أن اندماجهم فى المجتمع الإسرائيلى يستلزم منهم أن يكون إحساسهم بالصهيونية أقوى من إحساس الأشكنازيم، ولهذا كانوا متطرفين ومعادين لحزب العمل ومنحازين إلى حزب الليكود.
وما النتيجة التى انتهى إليها أبو مازن من انفتاحه على حركة السلام الآن واليهود الشرقيين؟
بناء جسر بين العرب والإسرائيليين، فقد اجتمع معهم فى رومانيا فى 6/ 11/ 1986 وفى المجر فى 12 يونيو 1987 وفى إسبانيا فى 5 يوليو 1989. وفى ذلك الاجتماع الأخير لم يطلب أبو مازن من اليهود إصدار بيان أو تصريحات صحفية، إذ اكتفى بالحوار المثمر، ومع ذلك أصدر اليهود بياناً امتدحوا فيه اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالقرارات الدولية ورفض الإرهاب، وطالبوا بتأسيس دولة فلسطين بجوار دولة إسرائيل.
وفى 7/ 12/ 1987 اندلعت الانتفاضة لمقاومة الاحتلال، واستندت إلى قواعد أساسية حتى لا تنحرف عن مسارها أو تصبح مجرد فقاعة سرعان ما تتلاشى. ومن هنا ارتأى أبو مازن أن الانتفاضة تستلزم عقلاً يرفض الشعارات الجوفاء ويستجيب لحاجات الشعب الفلسطينى. ومن هنا أيضاً اجتمع أبو مازن مع نعيم الأشقر عضو المكتب السياسى للحزب الشيوعى الفلسطينى تقديراً منه لحكمته. ثم دار بينهما الحوار الآتى:
أبو مازن: هل أنت مستعد لأن نفكر سوياً من غير «خطوط حمراء» أو محرمات؟
الأشقر: نعم.
أبو مازن: هل تتفق معى فى أن الانتفاضة مجرد وسيلة لانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة والضفة الغربية؟
الأشقر: نعم.
أبو مازن: وإذا طلبنا من شعبنا مواصلة رمى الحجارة على الإسرائيليين لإخراجهم من حيفا ويافا وعكا هل تظن أنه سيوافق على هذا المطلب؟
الأشقر: لا.
أبو مازن: ماذا يكون رد فعلهم؟
الأشقر: سيرمون الحجارة فى وجوهنا.
وتأسيساً على ذلك الحوار بدأ أبو مازن ورفاقه فى التفكير فى قبول قرارى 242 و338 أساساً للعملية السياسية والتى عرفت فيما بعد بالمبادرة السياسية الفلسطينية. وكان أبو مازن حريصا على عدم إذاعة تفصيلات المبادرة. ومن ثم تحدث فى عمومياتها مع القيادة الفلسطينية وبعض القيادات العربية والاتحاد السوفييتى. وبعد ذلك أعلن عرفات فى مؤتمر صحفى أن دعوته إلى السلام ليست تكتيكية إنما استراتيجية، وأن الشعب الفلسطينى من حقه الحرية والاستقلال بما يتفق وقرار 181، كما أنه من حق دول المنطقة أن تنعم بالسلام والأمن بما فى ذلك فلسطين وإسرائيل وبما يتفق وقرارى 242 و338. وفى نهاية المؤتمر قال عرفات: أعلن أمامكم بل انقلوا عنى أننا نريد السلام، وأننا ملتزمون بالسلام وأننا نرغب فى العيش فى دولة فلسطينية، وأننا نسمح للآخرين بالعيش. وفى أقل من ساعة صدر بيان من رئيس أمريكا رونالد ريجان يعلن فيه بداية الحوار من منظمة التحرير الفلسطينية.
والسؤال بعد ذلك:
ماذا يعنى حوار أمريكا مع المنظمة؟
إنه يعنى أن المنظمة أصبحت رسمية، وأنه لا حوار مع غيرها فى منطقة الشرق الأوسط.