السيسي في روسيا: أوهام الحرب الباردة

محمد محمود السبت 16-08-2014 21:33

خلال الزيارة الأخيرة للرئيس عبدالفتاح السيسي إلى روسيا، تداولت وسائل إعلام مصرية تقريراً مختلقاً نسبته إلى وكالة "إنترفاكس" الروسية عن محاولة تركية لاغتيال السيسي بإسقاط طائرته على الحدود مع جورجيا.

روى التقرير المختلق أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "أمر على الفور بانطلاق سرب من طائرات السوخوي المقاتلة لتتجه صوب طائرة الرئاسة المصرية وتؤمّن وصولها عبر 4 دول أوروبية"، بعدما كشفت المخابرات الروسية "المؤامرة".

لكن مذيعاً تليفزيونياً قال إن "عبقرية ضباط الإشارة والمخابرات المصرية" هي التي "أحبطت وهزمت هذا المخطط الإرهابي" الذي أضاف إلى المشاركين فيه "قطر وإسرائيل وأمريكا والتنظيم الدولي للإخوان".

بدا التقرير الذي تكرر بالصياغة نفسها في وسائل إعلام قريبة من الأجهزة، من قماشة اقتباسات مفبركة عن "مؤامرة أمريكية لإعلان خلافة إسلامية في سيناء" بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، نُسبت إلى مذكرات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، وراجت حتى وصل الأمر إلى ترديدها على لسان الناطق باسم وزارة الداخلية.

حدث هذا بدرجة أقل بعد زيارة السيسي السابقة إلى موسكو حين أسهبت وسائل الإعلام الرسمية في الحديث عن تفاصيل صفقات من السلاح الروسي لمصر، قبل أن يخرج السفير الروسي في القاهرة لنفي التوصل إلى اتفاق.

لم تكن مصادفة إذن أن تشير العقلية التي فبركت تقرير محاولة الاغتيال إلى المخابرات الروسية باسم جهازها القديم "كي جي بي" الذي تم حله قبل 23 عاماً إثر انتهاء الحرب الباردة، وأن يمر هذا الخطأ على وسائل الإعلام الكثيرة التي نشرت التقرير كما تلقته.

فالسمة المشتركة بين هذه الأكاذيب هي محاولة تضخيم المخاوف والتهديدات الخارجية لتصدير أوهام عن أدوار محورية للنظام وتحالفات كبرى تنتمي إلى زمن الحرب الباردة. أما التفاصيل فلا تهم كثيراً. والحقائق لا تعني جمهوراً واسعاً مستعداً لتصديق أي أكاذيب تخترعها الأجهزة طالما لقت هوى في نفسه، كما كان أنصار مرسي يصدقون أكاذيب انشقاقات الجيش واغتيال السيسي واقتراب عودة مرسي.

غير أن هذا لا يعني أن الحديث عن تطور في العلاقات المصرية - الروسية لا أساس له، فالاستقبال الروسي الحافل للسيسي لا يمكن تجاهله، وكذلك تقدم التفاهمات في شأن صفقة أسلحة بثلاثة مليارات دولار يتردد أن السعودية ستموّلها.

كذلك، فإن كلا الطرفين يحتاج الآخر، فمن جهة تسعى موسكو إلى تعويض خسائرها من الحرب الأهلية في سوريا حليفها الأبرز في المنطقة، والتحسب لاحتمالات التسوية الإيرانية - الغربية المرتقبة، وتوفير مصادر بدائل للسلع الغربية التي تعتزم مقاطعتها على خلفية المواجهة الجارية في أوكرانيا.

وعلى الجانب الآخر، يريد النظام المصري تنويع تحالفاته، خصوصاً لتعويض المساعدات العسكرية وبعض نوعيات الأسلحة التي جمدتها واشنطن، وجذب استثمارات روسية في المشاريع الجديدة، خصوصاً توسعة قناة السويس، إضافة إلى ضمان "فيتو" روسي في حال تدحرجت كرة الثلج التي بدأها تقرير "هيومن رايتس ووتش" بطلب تحقيق دولي في فض "رابعة العدوية" ووصلت إلى مجلس الأمن.

وفي هذا الإطار، لا ترى مصر تطوير العلاقات استبدالاً للعلاقات مع الولايات المتحدة كما يحاول إعلام الأجهزة إيهامنا، بقدر ما هو أداة لتنويع الخيارات وتوسيع هامش المناورة مع الحليف الأمريكي.

طبيعة التحالف الذي ترسخ بين القاهرة وواشنطن على مدى العقود الأربعة الماضية تجعل فك الارتباط أمراً مستبعداً، فالجيش الذي يتلقى تسليحه وتدريبه من الولايات المتحدة منذ اتفاقية السلام مع إسرائيل لن يستسيغ تغيير ترسانته في ظل الاضطرابات الحالية في المنطقة.

أضف إلى هذا أن نوعيات الأسلحة التي توزعها موسكو على حلفائها في الشرق الأوسط تضمن دائماً عدم اختلال ميزان القوى ضد مصلحة إسرائيل. وليس أدل على ذلك من صفقة صواريخ "إس 300" بعيدة المدى التي تعاقدت عليها إيران في 2007 وتلكأت روسيا في تسليمها ثم ألغت الصفقة بمرسوم رئاسي وضع قيوداً على نوعيات الأسلحة المبيعة إلى طهران.

الأرجح أن التقارب المصري - الروسي جاد وأن الطرفين لديهما دوافع كافية للاستثمار فيه. لكن تصدير أوهام زمن الحرب الباردة وتصوير هذا التقارب على أنه مقاومة للغرب ليس سوى تضليل وتلاعب بالعقول.

تويتر: Mohamed Hani (mohamedhani) on Twitter