تساؤلات حول مشروع قناة السويس

جلال أمين الأربعاء 13-08-2014 21:22

أُعلنت فى الأيام الأخيرة أخبار مهمة تتعلق بالبدء فى تنفيذ مشروع حفر قناة جديدة، بموازاة قناة السويس، وتوسيع وتعميق القناة الحالية، وتحقيق استثمارات جديدة تقوم بخدمة السفن وما تحمله من حاويات وسلع وركاب... إلخ، مما لابد أن يؤدى إلى خلق فرص جديدة للعمالة، وزيادة كبيرة فى إيرادات مصر من القناة، ومن صادرات أخرى، بما فى ذلك السياحة.. هذه الأخبار المهمة لابد أن تشيع الفرح والتفاؤل بمستقبل الاقتصاد المصرى، إلا أنها تثير أيضاً بعض التساؤلات التى يتشوق المرء إلى معرفة إجابات كاملة عنها.

بعض هذه التساؤلات يرجع إلى ما شاب بعض ما أعلن من قرارات وتصريحات من غموض يجعل من الصعب على المرء أن يصل إلى تقييم سليم لآثار هذا المشروع. لقد أعلن مثلاً أن المشروع سوف يخلق مليون فرصة عمل جديدة، وهو أثر طيب بالطبع، ولكن من الممكن أن يثير حماساً أكبر أو أقل، لو عرفنا بالضبط ما إذا كانت هذه الفرص الجديدة للعمالة تتعلق بأعمال حفر القناة الحديثة فقط أم بما سيتلوها أيضاً أو يرتبط بها من استثمارات، ومن ثم نعرف بالضبط الفترة الزمنية التى يتوقع أن تتحقق فيها هذه العمالة الإضافية. من المعروف أن عدد المنضمين الجدد إلى سوق العمل «أى الباحثين الجدد عن عمل» هو نحو ثمانمائة ألف شخص سنوياً، يضافون إلى حجم البطالة المتراكمة من سنوات سابقة، فهل هذه الفرص الجديدة «مليون فرصة عمل» يتوقع أن تحدث خلال عام واحد «هو المدة التى تقرر إتمام حفر القناة الجديدة فيها»، أم فى مدة أطول؟ من المعروف أيضاً أن نسبة البطالة من خريجى الجامعات عالية جداً، ولابد أنها زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب الركود الاقتصادى الذى جاء بعد الثورة، فما نوع فرص العمل التى يتوقع أن يوجدها المشروع الجديد؟ وهل تشمل وظائف وأعمالاً ملائمة لهؤلاء الخريجين؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة تتوقف عليها معرفة الأثر المتوقع من المشروع على حالة البطالة فى مصر.

إن مشكلة البطالة يمكن أن تعتبر أهم مشكلة اقتصادية واجتماعية تواجه مصر فى الوقت الحاضر، والعمل على حلها أكبر مسؤولية تواجه القائمين بمهمة الإصلاح الاقتصادى. والحكم بدرجة النجاح أو الفشل فى مواجهة هذه المشكلة لا يتوقف فقط على عدد فرص العمل التى يخلقها مشروع ما، ولا على المدة التى يستغرقها خلق هذه الفرص، بل لابد أن نأخذ فى الاعتبار أيضاً المشروعات البديلة التى يمكن تنفيذها فى المدة نفسها. ففى الاقتصاد، لا مناص فى الحكم على أى مشروع من مقارنته بغيره، ومن ثم اختيار الأصلح، لابد إذن أن نسأل عما إذا كان حجم الأموال التى يحتاجها خلق مليون فرصة عمل فى مشروع تطوير قناة السويس أكبر أو أصغر بدرجة ملموسة من حجم الأموال التى يحتاجها خلق العدد نفسه من فرص العمل فى مشروع أو مشروعات أخرى. لقد أعلن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، أن التكلفة الإجمالية للمشروع تزيد على ستين مليار جنيه، وهو ليس المبلغ الهين فى ضوء قدرة مصر فى الوقت الحاضر على تعبئة المدخرات اللازمة للتنمية، فهل قامت وزارة التخطيط عندنا بمهمة المقارنة اللازمة فى هذا الصدد؟ كنا نتمنى أن نسمع من يذكر هذا، وأن تعرض على الملأ نتائج الدراسة للمناقشة. إن اختيار مشروع وتفضيله على غيره أمر يتوقف، بالطبع، على اعتبارات كثيرة، ولكننا كنا نتمنى، على أى حال أن تعرض نتائج المقارنة بين المشروعات المتنافسة، وأن تعلن الاعتبارات المختلفة التى أخذت فى الحساب لتفضيل بعضها على الأخرى.

هناك تساؤل آخر: هذا المشروع الضخم يعلن فى عهد حكومة يمكن وصفها بأنها انتقالية، وهى حكومة المهندس إبراهيم محلب، وهى لم تأت بالانتخاب بل عينها رئيس للجمهورية كان يوصف بدوره بأنه انتقالى، وهو المستشار عدلى منصور، وقد جاء تعيينها فى ظروف لم تكن واضحة تماماً، إذ جرى تقديم استقالة الحكومة السابقة «حكومة الدكتور الببلاوى» على نحو أقرب إلى الإقالة، ولم تقدم أسباب واضحة لهذا التغيير.

وحكومة المهندس محلب أتت إذن فى غيبة مجلس تشريعى منتخب، والملاحظ أنها تتخذ قرارات مهمة، وتعلن عن مشروعات مهمة أيضاً فى غيبة هذا المجلس، مثل نقل العاصمة من القاهرة إلى مكان آخر على طريق السويس، وهو أيضاً مشروع عالى التكلفة، وليس من الواضح ملاءمة التفكير فيه الآن أو البدء فى تنفيذه فى ظروف مصر الحالية، وكان لابد بدوره أن يحظى بمناقشة واسعة، فى عهد الديمقراطية الجديد.

من بين هذه القرارات المهمة أيضاً القرارات الاقتصادية الأخيرة المتعلقة بتخفيض الدعم لبعض السلع، بعد أن ظل مثل هذه القرارات يؤجل عشرات السنين، وكان الأجدر أن يترك اتخاذهما لمجلس منتخب.

يضاف إلى ذلك أن مشروعاً بتطوير قناة السويس كان قد سبق أن أعلن عنه من حكومات سابقة، ولم يتخذ فيه قرار نهائى، وقد تعرّض مشروع يحمل الاسم نفسه ــ أعلن عنه فى عهد الرئيس السابق محمد مرسى ــ لنقد عنيف بسبب ما أثاره من توجسات عما يمكن أن ينتج عنه من آثار سياسية، وقد وصفه بعض الكتاب «من المتعاطفين مع عهد الدكتور مرسى» بأنه يؤدى إلى خلق دولة داخل الدولة، بما يعطيه من استقلال وحرية اتخاذ القرارات فى الإقليم المحيط بقناة السويس، دون الرجوع إلى سلطات الدولة العليا، فأثيرت أسئلة عن جواز هذا الاستقلال. كان من المنتظر إذن، بسبب أن المشروعين يحملان الاسم نفسه، ويتعلقان بالإقليم نفسه، أن يعلن بتوضيح وتفصيل أكبر كيف سيتجنب هذا الخطر فى المشروع الجديد.

كذلك اقترن المشروع الذى أعلن فى عهد الدكتور مرسى بمشروع آخر «لم يقدر له أيضاً أن يرى النور» سمى بمشروع الصكوك الإسلامية، ثم تغير اسمه عندما تعرض لانتقادات شديدة بدوره، ولكنه كان يذكر بمشروع آخر، أعلن عنه فى أواخر عهد الرئيس المخلوع، واقترن باسم وزير الاستثمار فى ذلك الوقت «محمود محيى الدين» عن إصدار صكوك سميت بالصكوك الشعبية، تمنح صاحبها حق المساهمة فى ملكية بعض مشروعات القطاع العام، وتوزع مجاناً على كل مصرى تزيد سنه على 17 سنة، وقد ثارت المخاوف فى الحالتين «الصكوك الشعبية والصكوك الإسلامية» من أن يؤدى هذا التوزيع للملكية على أشخاص معظمهم فقراء إلى انتقال الملكية بالبيع إلى من لا يرغب فى أن يشترك فى ملكية مشروعات فى هذا الإقليم الحساس من الناحية الأمنية والقومية.

كنا أيضاً نتمنى أن يصدر من التصريحات ما يطمئننا على أن مثل هذا الخطر مستبعد تماماً، متضمنة الإجراءات الكفيلة بتجنبه.