محمية الصحراء البيضاء تستقبل زوارها بجمال الطبيعة و«شاي الخشب»

كتب: وفاء بكري الإثنين 11-08-2014 20:27

«الصحراء البيضاء» هي جنة الله في أرضه.. تقف بـ«صفاء» لونها الأبيض لتبهر أعين العالم، حيث يراها البعض من أماكن الأساطير، ففى كل موقع تكوينات تميزه، شكلتها يد إلهية، وكل زائر لها من حقه أن يراها كما يشاء، فهنا «عيش الغراب والفرخة» أشهر تكويناتها، ينظر إليها «الحصان» و«الأرنب» من بعد، وهنا البيت الأبيض أكبر تبة في الصحراء، مكان لا تملك إلا أن تعشقه.

رأينا خلال الرحلة تكوينات تشبه «أبوالهول» و«أم كلثوم»، وشعرنا بأن «سفينة نوح» رست في هذا المكان بعد رحلة شاقة، فجميع الحيوانات والطيور وجدناها متمثلة في تكوينات «بيضاء» ناصعة، وشعرنا بأن الرومان تركوا «بحر الإسكندرية» ليأتوا إليها، فهناك منحوتات طبيعية أقرب لتماثيل الرومان، ومن يتوغل فيها يشعر بأن زبد البحر يقترب منه، أما لون التكوينات الأبيض الثلجى فيشعل القلب بحب هذه الأرض وبيئتها ورمالها، بينما لغروب الشمس سحر خاص يضفى ألوانا أخرى للصحراء ما بين الأحمر والأزرق، وعندما يدخل الليل لا يُرى غير النجوم في السماء الصافية.

الرحلة إلى الصحراء البيضاء لم تكلفنا سوى 600 جنيه، نظير تأجير سيارة (4*4)، بدأنا الرحلة مبكرا، وكان «المشروم والفرخة» أول تكوين تأملنا فيه، وهو الوحيد على مستوى الصحراء، الذي قامت الدولة بإحاطته بسلاسل، على اعتبار أنه الأكثر زيارة وشهرة على الإطلاق، وقف السائحون بجواره لالتقاط الصور له، وأخرى أمامه، بعدها توغلنا لزيارة باقى التكوينات، وعلى بعد خطوات وجدنا تكوينا رائعا آخر، لـ«ديك»، يأتى إليه أساتذة النحت من دولة التشيك مع طلابهم لتدريسه إليهم، وما بين الجمل والحصان والأرنب والمشروم، التي اكتست جميعها باللون الأبيض، وتكونت منذ عصور «سحيقة»، بعد أن كانت بحرا، دخل الليل يخترق سكون الصحراء، فجلسنا لنقضى ليلتنا داخل الصحراء، وهنا الكلمة العليا لـ«الشاى» الذي يتم إعداده على «الخشب» وله 3 أدوار، الدور الأول يتميز بـ«ثقله» الشديد، ليقترب من «لون الحبر» كما يطلق عليه البعض، ومن لا يريد شربه عليه بكلمة واحدة «إظ»، وهى تعنى «ثقيل للغاية» وهى كلمة جاءت أصلها من شخص يدعى «الظابوصى» حيث سقا أحد الشيوخ الكبار عدة أدوار من الشاى الثقيل، حتى مرض، وفقد وعيه، وعندما كان يفيق كان يريد نطق اسمه فيقف عند «إظ» ويغيب عن الوعى، حتى تمت إفاقته وحكى ما حدث، أما الدور الثانى فهو «مضبوط بالنعناع» والثالث «خفيف بالنعناع».

عندما تتوغل في الصحراء تجد أشجارا ونباتات تنمو بين الصخور، وتحديدا عند العيون الثلاثة المعروفة هناك، وهى (عين خضرة، وعين السرو، وعين المكفى) وهى قبلة الزائرين للاستراحة.

لحفلات الصحراء البيضاء الليلية جو آخر، فالمزمار والأغانى البدوية، والجو البدوى الذي تعيش فيه، مع الطقس الرائع والسماء الصافية التي تبدو فيها النجوم بكل وضوح، تجعلك لا تريد أن تتركها، والفرق التي تصاحبك في الصحراء، تقف لترحب بك بالأغانى البدوية، والرقصات، مع استمرار «حفلات الشاى» وعمل الخبز البدوى في الرمال.

حملنا كل هذه المشاعر إلى أحمد كمال، مدير محمية الصحراء البيضاء، لنعرف الكثير عن هذه الصحراء التي تسر الناظرين، فوجدناه مهموما أكثر من أهالى الواحة بالرغم من أنه ليس من أبنائها، وقال: «الصحراء البيضاء مساحتها كبيرة وتصل إلى 3981 كيلومترا مربعا، وتقع بين الواحات البحرية والفرافرة، ولكنها تنتمى للفرافرة، فجزء كبير منها يقع داخل منخفض الفرافرة والباقى فوقها، ومشكلتها أن الطريق الذي يقطع الواحة يقسمها نصفين، جزء شرقى وآخر غربى، وبالتالى فالمحمية تكون مفتوحة من جميع الجهات، وهذا يعطى فرصة لأى شخص بالدخول إلى المحمية من أي جانب، وهذا يعنى أننا ليس لدينا السيطرة الكاملة على المحمية مثل وادى الحيتان أو رأس محمد، ويجعلنا لا نحدد السيارات التي تدخل إليها أو الأفراد، وبالتالى الحفاظ عليها، ففى البداية كان هناك دوريات على الطريق، واختفت بعد الثورة، وهناك وجود عادى لحرس الحدود والشرطة، حيث البوابة دائما مفتوحة دون التفتيش الأمثل، ففى البداية كان يتم أخذ أرقام كل سيارة وهوية سائقها، وعدد الأجانب وجنسياتهم وهل سيتم المبيت في الصحراء أم لا وهذا لا يحدث حاليا».

وأضاف كمال: «القوة البشرية التابعة لنا قليلة للغاية، فلدينا 23 فردا على 4 آلاف كيلو، والمفروض 6 أفراد للكيلو متر الواحد، بما يعنى أننا نحتاج آلاف الموظفين، كما أن السيارات التي نستخدمها كانت معونة إيطالية، وهو مشروع التعاون الإيطالى 2008 – 2010، والذى قام ببناء المبنى الإدارى، وتأثيثه، بجانب المتحف وقاعة المحاضرات، ولم تتكلف الدولة سوى نسبة بسيطة للغاية، فضلا عن أن الصحراء لها شهرة عالمية في سياحة السفارى، ويأتى إليها نحو 50 ألف سائح سنويا، برسم دخول 5 دولارات فقط.

وتابع: «ينقصنا الكثير، ونحتاج استثمارات بيئية داخل الصحراء، مثل وجود فندق بيئى وكافيتريا وغرف بيئية تتناسب مع جو الصحراء النقى، فيجب تسويقها عن طريق الدولة ووزارة السياحة حيث ستدر دخلا كبيرا، فوزارة السياحة وغرفة السياحة البيئية لا تقومان بتسويقها، ومن يأتى إليها من السائحين يكون عن طريق أصدقائهم أو المواقع الإلكترونية، فضلا عن أنه لا يتم تطبيق قانون المحميات على الصحراء، ففى سيوة مثلا يتم الحصول على تصاريح من المخابرات العامة، وعندنا لا يتم اتخاذ هذا الإجراء رغم أهميته، ولا تقوم المحافظة بأى دور في تنمية الصحراء».

وقال كمال: «لا تتوقف المشكلات عند هذا الحد، فهناك تعديات على بعض منشآت المحمية، مثل اللافتات كبيرة الحجم التي نقوم بعملها من حجارة الصحراء، وتم تكسيرها أكثر من مرة، ولو استمر ضعف الأمن في المحمية والواحة بشكل عام، لن نستطيع السيطرة على أي مكان في الصحراء».