عن ضرورة إسرائيل لليهود وحماس للقضية الفلسطينية

عزت القمحاوي الإثنين 11-08-2014 22:17

لم يكن النظام العربى الرسمى بحاجة إلى عدوان غزة لتأكيد انهياره، فالنظام انهار لحظة توقيع كامب ديفيد وقيادة العراق لمعسكر مقاطعة لمصر، وعندما تمت المصالحة عاد النظام شكليًا وحمل تناقضاته داخله حتى مولد الربيع العربى الذى فجر التناقضات علنًا، وغيّب الدول الأساسية فى المواجهة. الانهيار المؤلم الآخر هو انهيار العقل العربى، وقد تجلى فى الخلاف حول غزة الذى بدا لا عقلانيًا، لا مسؤولاً، يصب فى تيارين أساسيين لا يلتقيان إلا فى دناءة إبراء الذمة الذى يمارسه المتحاربون العرب فى الإعلام الرسمى ومواقع التواصل الاجتماعى.

تيار الإخوان والراديكاليين من اليسار يصبون سخام لومهم حارقًا على رأس مصر، بدرجات مختلفة تبدأ من اعتبارها شريكة فعليه فى العدوان والحصار وتنتهى باللوم على التقصير، وتيار آخر يدافع عن مواقف مصر بدرجات تبدأ من تبرير أى تقصير وتنتهى بالتشفى فى الضحايا وبث خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين. وبمجرد ما بدأت التهدئة لم يعد أحد يعلم ما الذى يجرى التفاوض عليه فى القاهرة، ولا أصل القضية!

أصل القضية الغائب هو أن استيطانًا عنصريًا تحول إلى دولة على أراضى شعب آخر بتواطؤ من العالم وعاش بقوة الأمر الواقع وبقوة النسيان. وقد سعت إسرائيل جاهدة لتحويل الصراع مع الفلسطينيين إلى صراع دينى، وساهمت فى مولد فصائل المقاومة الدينية، ولو بالصمت حتى تنقل الصراع من مستواه الأرضى الذى يتعلق بحقوق الفلسطينيين الوطنية والإنسانية إلى مستوى الصراع السماوى، بما يضمن أبديته.

وفى العدوان الأخير، كما فى كل عدوان سابق وكل عدوان سيأتى لاحقًا، يسلك الطرفان السلوك الإعلامى نفسه: محاولة إلقاء الخطأ على الطرف الآخر فى المعركة الدائرة بالذات، وإثبات الحق فى القتال بصرف النظر عن أعداد الضحايا.

القتلى ليسوا بشرًا، بل مجرد أرقام يستخدمها كلا الطرفين لتدعيم وجهة نظره. وقد أصبحت سهولة موت الفلسطينى وصعوبة موت الإسرائيلى حقيقة يعرفها العالم ولا يهتز لها، ويعرفها الإسرائيلى ويفخر بها، ويعرفها الفلسطينى ويتعايش معها إلى درجة الإحساس بزهو النصر عند تكبيد العدو ثلاثين جنديًا مقابل ألف أو ألفى فلسطينى!

إسرائيل تعتبر نفسها فى «حرب فرضت عليها» فهناك دائما نقطة بدء صغيرة من حماس تبرر ما تعتبره إسرائيل عدالة «الدفاع عن النفس» وحماس تجد بداية القصة فى غير صالحها فتهرب إلى استعراض أشلاء الفلسطينيين لإثبات وحشية الإسرائيليين. والعالم الذى اعتاد التعايش مع هذا الصراع يستمع بقليل من الألم إلى الروايتين ويسعى إلى التهدئة لا حل الصراع.

ربما لا تدرك حماس حقيقة نفسها، لكن إسرائيل تعرف نفسها كحركة استيطان وتدرك ماذا تفعل الآن لطمس هذه الحقيقة، فبينما كان الاستعمار يختفى وكانت حركات السلام العالمية تعريها وتدعو إلى مقاطعتها بوصفها آخر دولة عزل عنصرى، جاء مولد حماس ثم سيطرتها كحكومة وليس حركة مقاومة على غزة ليعطى إسرائيل قبلة الحياة، ثم جاءت خطة تفجير الربيع العربى لتزيد من تماسك إسرائيل، التى ستجد نفسها، حسب الخطة، وسط محيط من الدويلات الدينية، تحاول كل منها أن تقيم مملكة السماء على درب مُعبّد بجثث الآخرين.

ومثلما تتحاشى إسرائيل الاعتراف بأنها أخطر مكان يمكن أن يعيش به اليهودى فى العالم، لا تريد حماس أن تعترف بأن وجودها جعل الفلسطينى أكثر عرضة للتهديد، وجعل حل القضية أصعب من ذى قبل.