فوق هضبة صخرية تأسست عزبة خير الله في سبعينيات القرن الماضى، وأصبحت واحدة من أكبر المناطق العشوائية حول القاهرة، بعد أن توافد عليها عشرات الأسر من الصعيد ووجه بحرى بحثاً عن لقمة العيش. وبسبب عدم نجاح العديد من أهالى المنطقة في الحصول على فرصة عمل مناسبة، فكر بعضهم في إقامة مشروعاتهم الخاصة التي تساعد على تشغيل شباب المنطقة.
بين شوارعها الضيقة المنحدرة بسبب طبيعتها الجبلية يتخلل منازلها عشرات الورش المصنعة لكاونترات الخشب، وهى الصناعة التي وجد فيها العديد من الأهالى مكسباً رائجاً، بسبب الإقبال على شراء مثل تلك الألواح، وهى عبارة عن لوحين من خشب أبلكاش، يتخللهما بقايا كسر خشب تالف، ويستخدمها النجارون في صناعة الأثاث والمطابخ والأبواب الخفيفة.
لم يكتف بعض المصنعين لتلك الألواح بما يحققونه من أرباح، بل اتجهوا للتحايل بالبحث عن أقل تكلفة للمواد الخام اللازمة لإتمام عملية التصنيع، وكانت أجولة دقيق الخبز المدعم هي الحل لتخفيض تكلفة التصنيع، ففى الوقت الذي يدور فيه الحديث عن أزمة رغيف الخبز، تكشف «المصرى اليوم» عن واحدة من أحدث طرق سرقة دقيق الخبز المدعم، التي يتم تهريبها لتلك الورش لخلطه بالغراء.
عشرات القطع من الأخشاب التالفة متناثرة فوق أرضية الورشة، هي في الأصل بقايا لأعمال شركات المقاولات، تستعين بها تلك الورش لتكون مادة الحشو بين لوحين من الأبلكاش، بحيث يتم إدخالها جميعاً داخل مكبس ليخرج الكاونتر في شكله النهائى. تبدأ عملية التصنيع كما يسردها أحد العاملين بالورشة بتقطيع بقايا الخشب التالف إلى أجزاء صغيرة بعرض 2 سنتيمتر، وسمك 16 ملليمتراً، وبطول قد يتراوح بين 50 سنتيمتراً إلى متر، مع مراعاة أن يساوى طول تلك القطع في الكاونتر الواحد، حتى يسهل دمجها في عملية الكبس، بعدها يتم تثبيت لوح الخشب الأبلكاش ودهانه بالغراء قبل وضع فضلات الخشب فوقه، لضمان تماسكها مع اللوح الذي يحتاج حوالى لتر من الغراء، وهنا يأتى دور أهم عامل في الورشة، والذى يقوم بخلط الغراء بالدقيق المدعوم لتقليل كمية الغراء الخام المطلوبة لإتمام عملية اللصق. وعن تلك المرحلة يقول العامل، الذي تحفظ على ذكر اسمه: «يقوم العامل بخلط الماء على الدقيق قبل إضافة الغراء الخام ليصبح الخليط متجانساً. ومقادير الخلطة عبارة عن إضافة علبة ونصف دقيق مدعم مقابل كل علبة غراء».
ورغم تعدد الماكينات في الورشة إلا أن هذا العامل له مهمة وحيدة، تنحصر في ملء البراميل بالغراء المختلط بعجين الدقيق، حتى لا تتوقف عملية التصنيع باللصق ثم الكبس، ويسع البرميل الواحد نحو 250 كيلوجراماً من هذا الخليط، وينتج جوال الدقيق الواحد برميلين من خليط الغراء. يتم دهان لوح الخشب بالغراء المخلوط، ثم يتم إلقاء قطع الخشب الصغيرة فوقه لتثبيتها وبعدها يُوضع اللوح ثانى من خشب الأبلكاش، ليتحول إلى لوح كاونتر يتم استخدامه في صناعات الأثاث.
يصف عامل خلط الدقيق عملية وصول الدقيق المدعم للورشة بالقول: «بناخد الدقيق الصبح بدرى، ويحرص أصحاب الورش على نقل حصصهم اليومية من الأجولة، والتى لا تقل عن جوالين أو ثلاثة على الأقل لكل ورشة من عدة أفران، حتى في أيام العطلات الأسبوعية. ولو توقف الشراء ليوم واحد يتوقف العمل هنا، لأن العملية دى بتوفر كتير لأصحاب الورش هنا في المنطقة».
يضيف: «يتم إخطار العمال الذين لا يقل عددهم عن 15 عاملاً في الورشة المتوسطة الحجم أنهم في إجازة حتى يأتى الدقيق، لأن سعر برميل الغراء يصل لـ 900 جنيه، في حين تكلف خلطة الغراء والدقيق أقل من 300 جنيه، في ظل إنتاج الورش، الذي يتراوح للورشة المتوسطة الحجم بين 70 و150 لوحاً في اليوم».
«يصل سعر جوال الدقيق الذي يتم تهريبه للورشة إلى 70 جنيهاً، في حين يحصل عليه صاحب المخبز بحوالى 16 جنيهاً». يقول عامل الورشة، «يلجأ بعض أصحاب المخابز لحيلة، هي خلط الدقيق بالرمل حتى يتوقف الأهالى عن الشراء، وبالتالى يتوفر لهم كميات دقيق فائضة يقومون ببيعها في السوق السوداء».
تقدر يومية عمال خلط الغراء بنحو 70 جنيهاً، ويبدأ عملهم من الثامنة صباحاً، وحتى السابعة مساء، إلا أن هناك ورشاً قامت بتطوير أدائها واستغنت عن بعضهم مستعينة بماكينات آلية لخلط الغراء الأصلى بعجين الدقيق، وفى تلك الورش يتراوح إنتاج الألواح بين 200 و250 لوحاً يومياً، ويتراوح سعر لوح الكاونتر التصديرى بين 180 و200 جنيه، في حين يُباع في السوق المصرية بنحو 75 أو 80 جنيهاً.
نوع الأبلكاش والحشو الداخل فيه يحدد سعره، بالإضافة إلى كمية الغراء التي يحتاجها. يقول العامل: «الأبلكاش الصينى والأرو المصرى والبرازيلى يستهلك كمية أكبر من الغراء، فالكاونتر الواحد قد يستهلك لتراً كاملاً، أما الأرو الطبيعى والأبلكاش الناعم، والـ DFA يستهلك نصف لتر من الغراء».