الحياة قاتمة بشكل خاص بالنسبة للمعاق بدنيا في غزة في وقت لا توجد فيه إمكانية كبيرة للاستفادة من مراكز تأهيل أو الحصول على أطراف صناعية في القطاع الفقير المحاصر. وشوارع القطاع المزدحمة غير الممهدة جيدا لا تصلح للكراسي المتحركة كما أن هناك القليل من الوظائف لمن لديهم إعاقات ولا يحصلون على تأهيل نفسي.
وبعد أن وقع الهجوم من الجو بعد الظهر وحول ورشة جمال دغمش في غزة، إلى حطام متناثر وأحدثت الشظايا جروحا غائرة في صدر الرجل وقطعت ذراعه اليسرى.
وعندما أفاق دغمش الذي يعمل ميكانيكيا وعمره 48 عاما في المستشفى لم يستطع أن يسمع جيدا كما وجد أن ثلاثة من أصابع يده اليمنى قطعت.
وقال دغمش من المستشفى الذي ينزل به في مدينة غزة بعد ثلاثة أيام من القصف الإسرائيلي للحي الذي به الورشة «لن أستطيع أن أعمل دون يدي».
هو واحد من آلاف الفلسطينيين الذين أصيبوا بإعاقات بدنية نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة التي بدأت في الثامن من يوليو الماضي بعد تصعيد للهجمات الصاروخية على إسرائيل من القطاع.
وتقول السلطات في قطاع غزة الضيق المكتظ بالسكان إن 1912فلسطينيا استشهدوا وأصيب نحو 9آلاف آخرون على الأقل في الغارات الجوية والقصف الإسرائيلي من البر والبحر. عدد الشهداء والمصابين أكبر من عددهم في الحربين السابقتين في 2008 و2009 معا. وتقول إسرائيل إن 64 من جنودها وثلاثة مدنيين قتلوا.
تقول إسرائيل إن حركة «حماس» تتحمل مسؤولية محنة المدنيين في القطاع المطل على البحر المتوسط لأنها تخزن السلاح وتشن هجماتها انطلاقا من المناطق السكنية.
وقال رفيق الزنط الذي يعمل مديرا لشركة خاصة تورد الأجهزة الطبية مثل الأطراف الصناعية والكراسي المتحركة إلى غزة والضفة الغربية «الأغلبية منهم في أسرتهم ويعانون من قرح الفراش ولا يحصلون على الرعاية الطبية الكافية. يحتاجون إلى إعادة تأهيل بدنية ونفسية».
وتقول منظمات إغاثة إنسانية إن الحصار الإسرائيلي الذي يقيد تدفق البضائع، بالإضافة للقيود الأمنية التي تفرضها مصر على معبر رفح الحدودي مع غزة، تسبب في أزمة حادة في الإمدادات الطبية حتى قبل الحرب الحالية التي استمرت أكثر من شهر.
وقال الزنط إن الحصار منع معظم من بترت أطراف لهم من الحصول على أطراف صناعية لأن غزة بها أزمة في الأجهزة اللازمة لصناعتها وتجربتها.
وأضاف أن «عددا صغير فحسب من الفلسطينيين المعاقين تمكن من السفر إلى الخارج لتركيب الأطراف الصناعية. وهي عملية طويلة وشاقة. والبعض الآخر يجرب الأطراف الخشنة غير المتطورة لكنهم يتوقفون عن استعمالها بعد شهرين أو نحوهما ويختارون العصى أو المشايات أو الكراسي المتحركة».
وقال الزنط «الحدود مغلقة ويبقون هنا في غزة بدون أطراف إلى الأبد».
وقالت هانديكاب انترناشونال وهي منظمة إغاثة عالمية تعمل في الأراضي الفلسطينية إن المشاق في غزة تجعل العلاج النفسي أساسيا للمعاقين.
وقال جويلوم زر رئيس العمليات الفلسطينية في المنظمة «أن تعطي شخصا طرفا صناعيا وتعلمه المشي من جديد هذا شيء وأن تجعله يقبل وضعه الجديد هذا شيء آخر». وأضاف «هناك اتجاه لرفض الوضع الجديد خاصة مع صدمة الصراع وصدمة الحرب».
وقال إن المعاقين قد يواجهون عزلة إضافية لأنه يمكن أن يكون هناك قبول أقل بوضعهم من جانب البعض بالمقارنة بمناطق أخرى في العالم. وتشعر المنظمة أيضا بالقلق إزاء إمكانية أن يكون على المعاقين أن يكابدوا مرة أخرى من أجل ترك الأماكن التي يقيمون فيها مخافة التعرض لهجمات جديدة.
وقال زر ناقلا عن إحصاءات محلية ودولية تتفاوت تقديراتها بحسب تعريفها للإعاقة البدنية إن قطاع غزة كان فيه قبل الحرب ما بين مئة ألف ومئتي ألف معاق من سكان عددهم 1.8 مليون نسمة.
وأضافت الحرب الحالية معاقين كثيرين آخرين إلى المعاقين السابق وجودهم في القطاع. ويقول جراحون يعملون في اثنين من أكبر المستشفيات بمدينة غزة إن نحو 80 % من المرضى الذين عالجوهم لن يتحقق لهم الشفاء الكامل.
وقال الجراح مسعود حاجي وهو يفرك جبهته «هناك بالفعل الكثير جدا»، ورأى حاجي ما بين حالتين وثلاث حالات بتر في كل نوبة عمل في مستشفى القدس في مدينة غزة خلال الشهر المنقضي نصفهم تقريبا من الأطفال.
وأضاف «كلهم تقريبا.. 90% منهم مدنيون لا صلات لهم بحماس. عالجت رجلا لم يفقد أطرافا وحسب بل فقد زوجته وطفله وبيته».
وفي طابق علوي من المستشفى كان خالد خطاب يدفع كرسيا متحركا عليه طفله إبراهيم الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات إلى أحد العنابر. وأصيب ابنه الآخر لكن إصابة إبراهيم أشد.
وقال خالد وهو ينظر إلى طفله الذي كان بين النوم واليقظة في كرسيه المتحرك بينما برزت ركبته حيث البتر تحت غطاء «كان يلعب في الشارع مع شقيقه وسقط صاروخ أطلقته طائرة».
هناك ما يجعل إعادة التأهيل أكثر صعوبة وهو أن العاملين بالرعاية الطبية معرضون على نحو خاص للخطر في وقت تعرضت فيه المنشآت الطبية ومركز معاقين للقصف.
كان بإمكان عدد صغير من المصابين الفلسطينيين العبور إلى إسرائيل لتلقي العلاج. وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن سيارات إسعاف قامت برحلات عددها 144 إلى إسرائيل مرورا بمعبر«إريز» الحدودي مع قطاع غزة.
ويأمل أكرم الأعور وهو سائق سيارة إسعاف أن يسافر إلى الخارج للعلاج. وكان يحاول التقاط مصابين مدنيين في غزة أواخر الشهر الماضي عندما فاجأه هجوم صاروخي سقط فيه مصابا.
وقال الأعور الذي يبلغ من العمر 39 عاما «عندما سقطت الصواريخ رأيت جثثا على الأرض، كان هناك الكثير من الصراخ والاستغاثات. لكن شعرت على الفور أن ساقي قطعت ولحقت بي إصابات أخرى وجروح غائرة».
حاول أن يساعد نفسه بضمادة من شريط في حقيبته. وقال وقد اختنق صوته «كانت صدمة كبيرة لي».
وقال بينما راحت طفلته (ستة أعوام) وطفله (أربعة أعوام) يلعبان حول سريره في المستشفى الذي يعالج فيه «أملي أن أسافر للخارج لأن جراحي شديدة وعقلي أيضا محطم».
وأضاف «كتبت لي النجاة من الموت في الحادثة التي استشهد فيها أكثر من 20 شخصا وأصيب أكثر من 170».