رسم محللون سياسيون أكثر من سيناريو، لما قد تحمله الساعات القادمة من تداعيات فشل المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي في القاهرة، بهدف التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وقال المحللون، إنّ كل الاحتمالات واردة بين إسرائيل والوفد الفلسطيني، وإنّه من الوارد العودة إلى «الميدان»، فيما يبقى الباب مفتوحا أمام الخيار السياسي.
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس الوفد الفلسطيني لمفاوضات التهدئة في مصر، عزام الأحمد، إن الوفد سيغادر القاهرة للتشاور مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس: «إذا لم يحضر الوفد الإسرائيلي للتفاوض دون شروط مسبقة».
وفي تصريح للصحفيين، تابع الأحمد: «إذا تأكد لنا أن الوفد الأسرائيلي يضع شروطا لعودته إلى القاهرة، فإننا لن نقبل بأي شرط كان لاستمرار التفاوض إذا تأكد عدم حضورهم (الوفد الإسرائيلي)، الأحد، فإننا سنغادر القاهرة مساء اليوم إلى فلسطين للتشاور مع الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية».
وصباح الجمعة، توقفت المفاوضات غير المباشرة، التي ترعاها مصر، بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، منذ نحو أسبوع، مع انتهاء هدنة الـ72 ساعة التي نجحت القاهرة في التوصل إليها بين الجانبين.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، إن «إسرائيل لن تتفاوض حول هدنة دائمة في غزة، طالما استمر إطلاق الصواريخ من قطاع غزة».
وأضاف نتنياهو في تصريح له في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية، ونقلته الإذاعة الإسرائيلية، إن «إسرائيل لن تتفاوض تحت النار وستواصل العمل بشتى الوسائل من أجل تغيير الواقع الحالي وجلب الهدوء لجميع مواطنيها».
ولا يستبعد أحمد يوسف، الخبير في الشؤون الفلسطينية، العودة إلى الاحتكام إلى الميدان، في حال لم تستجب إسرائيل لمطالب الوفد الفلسطيني.
ويقول يوسف، الذي يشغل منصب رئيس مركز بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات بغزة (مركز خاص)، إنّ العودة إلى الميدان واردة وبقوة في الساعات القليلة القادمة، في حال لم يتم الضغط على الإسرائيليين للقبول بالشروط العادلة للفلسطينيين، وفي مقدمتها رفع الحصار عن قطاع غزة.
وتابع: «قد نشهد جولة جديدة من المواجهة بين إسرائيل وفصائل المقاومة، فلا مجال هنا أمام كل هذه التضحيات الجسام، وما دفعه الفلسطينيون أن يتم التراجع والعودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل الحرب، وما لم تأخذه إسرائيل في الميدان لن تأخذه في السياسة».
ورأى يوسف أن جولة الصراع القادمة، لن تكون قوية كما كانت عليه سابقا، إنما ستكون مدروسة، لإجبار إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات مجددا، والقبول في نهاية المطاف بشروط المقاومة.
وقد تشهد الساعات القليلة القادمة ضغطا دوليا وعربيا، وفق تأكيد يوسف، لمنع تدهور الأمور، والدخول في مواجهة كبيرة، قد تدحرج كرة الميدان إلى ما لا ترغب فيه كل الأطراف.
ولم تنجح المفاوضات في التوصل إلى اتفاق نهائي، يضع حدا للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولا حتى تمديد هدنة الـ72 ساعة؛ جرّاء خلافات بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي حول مطالبهما.
وتضمنت مطالب الوفد الفلسطيني: «وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة إلى المواقع التي كانت فيها قبل الحرب (التي شنتها إسرائيل في الـ7 من الشهر الماضي)، وإعادة العمل بتفاهمات 2012 (التي أنهت حربا إسرائيلية)، وفك الحصار على قطاع غزة بكل صوره، وإنشاء ميناء بحري ومطار بغزة».
كما تضمنت مطالب الفلسطينيين السماح للصيادين بالصيد في بحر غزة وإزالة المنطقة العازلة بين غزة وإسرائيل وإطلاق سراح الأسرى الذين أعيد اعتقالهم، وإطلاق سراح النواب المعتقلين، والدفعة الرابعة من الأسرى القدامى التي تراجعت إسرائيل عن الإفراج عنها، بالإضافة إلى تقديم ضمانات دولية بعدم تكرار العدوان الإسرائيلي والتزام تل أبيب بما يتم الاتفاق عليه.
وفي المقابل، تطرح إسرائيل مطلب نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وهو ما ترفضه الأخيرة بشدة.
ويرى «حسن عبدو»، المحلل السياسي، أن الساعات القادمة قد تحمل الكثير من المفاجآت والتداعيات التي قد تغير من تفاصيل المشهد السياسي.
وقال عبدو (الباحث في مركز فلسطين للدراسات والبحوث) (غير حكومي)، إنّه من الوارد أن يتم في الساعات القليلة القادمة الحديث عن تهدئة مؤقتة، وعودة الوفد الإسرائيلي الذي غادر القاهرة واستكمال المفاوضات.
وأضاف: «قد نشهد ضغطا دوليا وعربيا، في هذا الاتجاه، إسرائيل لا تريد لهذه الحرب أن تستمر، كما أن المقاومة أرادت من هذه المعركة أن ترفع الحصار عن قطاع غزة، وهو ما لن تتراجع عنه، وفي حال لم يتم القبول بشروط المقاومة، قد نشهد عودة جديدة للميدان، وجولة من المواجهة، كي تكون ورقة ضغط».
ولفت عبدو إلى أن المرحلة القادمة قد يكون عنوانها «التفاوض بالنار»، بين الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني) وأن يبدأ «رد مقابله رد، ثم العودة إلى طاولة المفاوضات، إلى أن يتم التوصل لاتفاق نهائي».
واستدرك: «ما هو حتمي هنا في هذا المشهد السياسي أن المقاومة لن تقبل بعد كل هذه الدماء والتضحيات بالعودة إلى الوراء، ولا يجوز لها أن تفعل ذلك، فهناك احتضان شعبي لمطالبها، من أجل رفع الحصار الكامل عن قطاع غزة».
ويتفق مخيمر أبوسعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، أن الساعات القادمة قد تحمل أكثر من سيناريو.
وأضاف: «قد تقول السياسة كلمتها، وقد يكون للميدان كلمته، الساعات القادمة تحمل الكثير، قد نرى تحركا دوليا، السلطة الفلسطينية قد تلجأ للمحافل الدولية وتفعيل المواثيق الدولية لإدانة إسرائيل».
ويتفق أبوسعدة أن المقاومة قد تبدأ جولة جديدة ومرحلة أخرى من المواجهة إلا أنه شدد على أن هذه المواجهة لن تكون شاملة بضراوة ما سبق.
وتابع: «كل طرف سيبدأ في إرسال رسالة إلى الآخر، عبر ردود مدروسة، إلى أن تنفجر الأمور أو تهدأ على طاولة المفاوضات، وتتم تلبية شروط الفلسطينيين، التي هي أدنى المطالب الإنسانية».
وتشن إسرائيل على غزة، منذ السابع من يوليو الماضي، حرباً بدعوى العمل على وقف إطلاق الصواريخ من غزة على بلدات ومدن إسرائيلية، أسفرت عن مقتل نحو 1918 فلسطينياً وإصابة نحو 10 آلاف آخرين بجراح حتى، الأحد، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، إضافة إلى دمار مادي واسع في القطاع الذي يقطنه أكثر من 1.8 مليون فلسطيني.