في التاسع من أغسطس قبل ستة سنوات، رحل عن عالمنا شاعر أثرى بكلماته الشعر العربي الحديث، وتغنى بكلماته كبار المطربين والمطربات، لكنه كان في الوقت نفسه مناذل سياسي كبير، إنه الشاعر الفلسطيني محمود درويش.
ولد «درويش» بقرية البروة بالجليل، في شهر مارس عام 1941، على أرض فلسطين، والتي كانت تقبع حينها تحت الإنتداب البريطاني. وفي عمر السبع سنوات خرج الطفل درويش مع أسرته مهجرين ولاجئين إلى لبنان، إلا أنه لم يغب عن وطنه كثيرًا فعادت الأسرة إلى بلدتها «متسللة» بعد اتفاقية الهدنة عام 1949، لكن الأرض التي تركوها قبل هجرتهم كانت قد تحولت إلى أرض زراعية إسرائيلية، لتضطر عائلته للعيش في قرية جديدة.
أعوام مضت، وكبر «درويش»، وبعد إنهاءه لفترة تعليمه الثانوي بدأ العمل الصحفي بجرائد الأحزاب، ومن ثم اشترك في تحرير جريدة «الفجر»، ولم يستمر هذا الوضع كثيرًا حيث اعتقل الشاب الفلسطيني، آنذاك عام 1961، بسبب آراءه وأنشطته السياسية، قبل أن يخرج ليعتاد على مرات الاعتقال حتى قرر بعد عقٍد وعام من الإعتقالات أن يسافر إلى الاتحاد السوفيتي، ليقوم بالدراسة ومن ثم يرحل إلى القاهرة لاجئًا ، حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنه لم يمكث في القاهرة أيضًا، فذهب إلى لبنان ليعمل في مؤسسات النشر التابعة للمنظمة.
عاش الشاعر والكاتب والسياسي الفلسطيني في العاصمة اللبنانية، بيروت، لتسع سنوات ترأس خلالها تحرير مجلة «شؤون فلسطينية»، وتقلد منصب المدير بمركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية.
خلال نفس الفترة كان شعر «درويش» ينتشر بين القراء، فتعدت مبيعات دوواينه في عام 1977 المليون نسخه، وفي عام 1981، أسس مجلة «الكرمل»، إلا أن الحرب الأهلية اللبنانية المشتعلة منذ عام 1975، أضطرته للخروج من بيروت، بعد غزو الإسرائليين للبنان ومحاصرة المدينة، وطرد كل التابعين لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليتنقل من وقتها كاتب «عصافير بلا أجنحة»، بين دول عدة هي سوريا وقبرص ومصر وتونس قبل أن يستقر في العاصمة الفرنسية، باريس.
وقد استقال «درويش» من المنظمة الفلسطينية عقب توقيع اتفاقية «أوسلو»، عام 1993، حيث قال حينها: «إن هذا الاتفاق ليس عادلا؛ لأنه لا يوفر الحد الأدنى من إحساس الفلسطيني بامتلاك هويته الفلسطينية، ولا جغرافية هذه الهوية إنما يجعل الشعب الفلسطيني مطروحا أمام مرحلة تجريب انتقالي. وقد أسفر الواقع والتجريب بعد ثلاث سنوات عن شيء أكثر مأسوية وأكثر سخرية، وهو أن نص أوسلو أفضل من الواقع الذي أنتجه هذا النص».
وبعد سنوات وسنوات من الغياب، عاد كاتب «عاشق من فلسطين» إلى أرض وطنه، عام 1997، حيث دخل إلى فلسطين بتصريح لزيارة أمه، إلا أن بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي اقترحوا السماح له بالبقاء، وهو ما حدث.
ومن أشهر ما كتب «شاعر العرب» قصائد «عابرون في كلام عابر»، و«قصيدة الرمل»، و«جواز السفر» و«عائد إلى يافا»، وقد تغنى بكلمات درويش أسماء شهيرة كالمطرب مارسيل خليفة والذي حول عدة قصائد إلى أغان كـ«جواز السفر» و«أمر باسمك»، و«نشيد الموتى».
كذلك تغنت بكلماته «السيدة» ماجدة الرومي في «سقط القناع»، وحولت أصالة نصري قصيدة «أيها المارون» إلى أغنية بصوتها، فيما انضم للقائمة العديد من المطربين الآخرين.
وفي عام 2008، كان ملك الموت يحوم حول سرير «درويش» بإحدى المراكز الطبية بولاية تكساس الأمريكية، وكانت أشهر كلماته في نهاية حياته: «أنا حي ما دمت أحلم؛ لأن الموتى لا يحلمون».