حالة من السخط والغضب أصابت كثيرا من المصريين عقب العرض المسرحي المميز الذي أبداه دفاع الرئيس المخلوع مبارك في الجلسات الأخيرة لمحاكمته التي احتوت على ما يشبه النكات السخيفة والازدراء للمصريين والاستخفاف بعقولهم وإهانة ثورة يناير ووصفها بالمؤامرة؛ بما يعتبر جريمة قانونية؛ نظرا لأن هذا إهانة وازدراء للدستور الذي يقر بأن ثورة يناير ملحمة من ملاحم المصريين العظيمة التي فتحت باب الحرية للمصريين وأنقذتهم من براثن الظلم والاستبداد.
أكاذيب متتالية يُلبسونها وجه الحقيقة، يلعبون على وتر كراهية الناس للإخوان لتزوير وقائع التاريخ التي لم يمر عليها سوى ثلاث سنوات وشهدها وعاشها ملايين المصريين، يجعلون الضحية مجرما وينصبون المذنب قديسا، وتتبارى وسائل إعلامية معروف ولاءاتها لإبراز هذا الإفك لتزييف وعي الناس ومحو الحقيقة، حدثني والد أحد الشهداء وهو يبكي من حرقته على دماء ابنه الذي يصوره صناع الزور على أنه بلطجي ومتآمر بعد أن دفع حياته وبذل روحه من أجل حرية المصريين وكرامتهم وحلمهم في مستقبل أفضل، قال لي والد الشهيد: حسبنا الله ونعم الوكيل، بدل ما اخد حق ابني الشهيد من اللي قتلوه لو ابني رجع للحياة هو كدا اللي هيتحاكم!
نعم حوّل هؤلاء المزيفون محاكمات القتلة إلى محاكمة لثورة يناير وإدانة لها، وسبق ذلك حملات إعلامية شرسة ومتواصلة اعتمدت على الفبركة والكذب لاغتيال الثورة وكل من انتمى إليها اغتيالا معنويا متدنيا لم يتحرك أحد لإيقافه ليتم اعتماد رواية جديدة لثورة يناير هى رواية الثورة المضادة التي ترى ثورة يناير مؤامرة خارجية أجرم كل من أشعلوا فتيلها وتآمروا على الوطن، ومن الطبيعي أن ترى الثورة المضادة والنظام الساقط ثورة يناير هكذا لأنها أسقطت هذا النظام ولا يمكن أن يعود هذا النظام ورموزه ويتطهرون من جرائمهم إلا إذا دنسوا وجرموا من أسقطوهم وقدموهم للشعب في صورة العملاء والخونة والمتآمرين، وهذا ديدن الثورات المضادة عبر التاريخ.
صدق بعض المساكين هذا الإفك تحت تأثيرالتكرار و (الزن الإعلامي) الذي مارسته وسائل إعلام ينتمي كثير منها لرجال مبارك وحاشيته، قرر هؤلاء أن (الإخوان هم اللى هيشيلوا الليلة)، ومن هذا المنطلق اعتمادا على كراهية الناس للإخوان أطلقوا مجموعة من الأكاذيب تبدأ بكلمة الإخوان ثم تمر على كل ثائر لتشوهه وتخونه وترميه بالإفك، صار سيناريو المؤامرة واضحا (استغل كراهية الناس للإخوان لتمرر ما تريد عبر هذا الجسر لهدم ثورة يناير)، واعتمادا على أن الناس تنسى، مارس هؤلاء الإفك والكذب حتى أمام هيئة المحكمة نفسها، ولم يكن هدف هذه المرافعات العبثية هو مخاطبة القضاء بل مخاطبة الرأي العام وتزييف الوعي، ليس لتبرئة المتهمين فحسب بل لإعادة كتابة تاريخ ثورة يناير بالطريقة التي تريدها الثورة المضادة وترضي مبارك ورموز نظامه الذين يستعدون للعودة للحياة السياسية بعد أن قاموا بإجلاء الثوار من المعادلة السياسية ومهدوا طريق رجوعهم بتشويه الثوار وتخوينهم وتطهير أنفسهم من جرائم لا تنمحي بأحكام قضائية ولا هروب من المساءلة؛ لأنها جرائم مست جميع المصريين الذين سرق هؤلاء قوتهم وبددوا ثرواتهم وأورثوهم المرض والفقر وكل ما جناه الاستبداد.
وجاء رد النيابة على إفك المدلسين قويا وواضحا لينزل بردا وسلاما على قلوب من صدمهم كم الفُجر والتبجح الذي رأوه، قالت النيابة طبقا لما نشرته المصري اليوم بتاريخ 7 أغسطس 2014
http://www.almasryalyoum.com/news/details/496854#.U-Pk8qM6FQE.twitter
قالت النيابة (إن دفاع المتهمين وصف المتظاهرين بالبلطجية، وحاول أن يقتصر القضية على ما حدث أمام أقسام الشرطة، وتوضح النيابة أن الاتهامات الموجهة للمتهمين هي قتل المتظاهرين في الميادين وليس أمام الأقسام، ولم يتحدث الدفاع عن المتظاهرين الذين قتلوا في الميادين).
وقال المستشار وائل حسين، المحامى العام الأول لنيابات استئناف القاهرة، في تعقيبه على مرافعة دفاع المتهمين، التي استمرت على مدار 30 جلسة، إن المحامين أبدوا دفوعهم القانونية، إلا أن الخيال أبعدهم عن ملابسات الواقعة، والنيابة تنوب عن المجتمع وتدافع عن حقوقه ابتغاء تحقيق العدالة، ولا يعنيها إدانة متهم بعينه أو براءة آخر، والنيابة لها في هيئة المحكمة القدوة الحسنة. وأكد «حسين» أن الدفاع لم ينتبه إلى أدلة أمر الإحالة، وتنوه النيابة بأن دفاع المتهم الأول هاجم رموز النيابة العامة بدعوى أن المتهم تعرض إلى معاملة سيئة في تلقيه الرعاية الصحية بموجب قرارات النيابة العامة، لكسب تعاطف المحكمة والرأي العام تجاه المتهم بـ«عبارات رنانة جوفاء»، وأراد تصوير المتهم كأنه مجني عليه ووضعه في «مرتبة الأنبياء والقديسين»، مشددا على أن النيابة اتبعت قواعد القانون ولوائح السجون مع مبارك، دون النظر إلى صفته. وأشار المحامي العام الأول لنيابات استئناف القاهرة إلى أن بعض أعضاء الدفاع هاجموا إجراءات النيابة العامة بصورة غير منطقية، وزعموا أن هناك قصورا شديدا شاب التحقيقات، مضيفا أن دفاع المتهمين حاول قدر طاقته اختلاق فكرة أن مهمة قوات الشرطة التي اعتدت على المتظاهرين كانت القيام بتأمين المظاهرات وحمايتها، وحاولوا إقناعنا بأن قوات الشرطة كانت مؤيدة للمظاهرات وضد النظام، وقال بعضهم إن المجني عليهم من المتظاهرين هم من تعدوا على أفراد الشرطة الذين لم يكن معهم سوى المياه والغاز- حسب قول الدفاع- رغم أن القضية هي قتل المتظاهرين في الميادين.
وتابع المستشار وائل حسين أن الدفاع حاول التنصل من الاتهام وإبعاد المسؤولية عن المتهمين بمنطق «شاذ» و«معيب» ساوى فيه بين المتظاهرين المسالمين وقوات الشرطة، وبين المجني عليهم والجناة، معلقا على اتهام النيابة العامة بتحريف الأدلة بجزء من الآية رقم 5 في سورة الكهف يقول: «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً«.
ورد المستشار وائل حسين على الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا لنظر الدعوى وبطلان تحقيقات النيابة، وأمر الإحالة تأسيسا على أن المتهم مازال رئيسا للجمهورية لعدم تقديمه استقالته إلى مجلس الشعب، بالتأكيد على أن المبادئ المقررة في الفقه الدستورى تشير إلى أن الثورة تصدر عن الشعب نفسه باعتباره مصدر السلطات، وذلك بتغير الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أملا في تطوير المجتمع ونجاح الثورة التي تقوم ضد نظام الحكم، ويترتب على ذلك إسقاط الدستور وقيام نظام جديد، ومن الثابت أن البلاد قد شهدت من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011 ثورة عارمة، والفيصل هو سقوط الدستور والنظام، وهذا ما حدث بالفعل.
وتابع أن ثورة 25 يناير كانت ثورة عارمة ضد النظام الحاكم للبلاد، لسوء وتردى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وقد ثار الشباب وانضم إليهم أفراد الشعب، وأدت الثورة إلى خلع المتهم الأول بعد 18 يوما، وتخليه عن منصب رئيس الجمهورية وسقوط كل دعائم نظامه، وسقط الدستور، وتولت القوات المسلحة سلطة الحكم، ونتج عن ذلك حل مجلسي الشعب والشورى، وهذا يؤكد أن المتهم الأول تجرد من صفته رئيسا للجمهورية.
وعقب المستشار محمد إبراهيم، المحامي العام لنيابات استئناف القاهرة، على الدفع بانتفاء جريمة القتل العمد والقصد الجنائي، وقال إنه وفقا لمواد قانون الإجراءات الجنائية فإنه لا يجوز التعرض للمتظاهرين السلميين، وفي هذا الإطار أجازت المادة 102 من قانون الشرطة استخدام القدر اللازم لأداء الواجب، مؤكدا أن هذا الدفع على غير أساس، والشريك يعاقب كما يعاقب الفاعل الأصلي.
وأكد توافر عنصر الاتفاق بالاشتراك والتحريض والمساعدة، وتلاقت إرادة المتهمين الأول مبارك والخامس العادلي على تفريق المتظاهرين بأي طريقة في حال فشل الوسائل السلمية، حتى لو تم استخدام سيارات الشرطة وأسلحة الخرطوش، وحتى لو أدى ذلك إلى إزهاق أرواح بعض المتظاهرين لتفريقهم وتنحيتهم عن مطالبهم، وذلك حماية لمناصبهم.
وقال «إبراهيم» إن مبارك شاهد الأحداث وهو داخل مقر الرئاسة، خاصة أحداث السويس، وطلب «العادلي» من الأول الاستعانة بالقوات المسلحة، في بداية الأحداث، إلا أنه رفض، وأضاف أن أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، قال إن القرارات بشأن الأحداث كانت تتم بتنسيق بين مبارك والعادلي، دون عرضها عليه.
وتابع ممثل النيابة أن مبارك توافر لديه عنصر القصد الاحتمالي لجريمة القتل بموافقته على اجتماع الوزير وتحفيزه على الحل، دون إصداره أي قرارات بإصلاحات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. وأوضح أنه تبين من الواقع العملي من الخطة التي وضعها المتهمون من الخامس حتى التاسع أنهم قاموا، في 28 يناير 2011، بحشد جميع القوات والأجهزة وكتائب الدعم المؤهلة للتعامل مع البؤر الإجرامية المحظور استخدامها في التظاهرات وقوات أمن المديريات غير المؤهلة لمواجهة المتظاهرين، وذلك بهدف عدم وصول المحتجين إلى الميادين، خاصة ميدان التحرير، وأن المتهمين التسعة من كبار خبراء الأمن، رغم علمهم بوقوع القتلى والمصابين، استمروا في تنفيذ الخطة، مؤكداً توافر نية القتل بتوجيه الرصاص في الرؤوس والصدور.
وأكد ممثل النيابة توافر عنصر الضرر بالمال العام، وظهر ذلك عندما حشد «العادلي» ومساعدوه القوات، وسحبوها من أماكن خدماتها وتم تجميع أجهزتها لمواجهة المتظاهرين، وذلك بهدف عدم وصولهم إلى الميادين، ما أدى إلى حدوث فراغ أمني بالبلاد، واقتحام السجون، والاعتداء على أقسام الشرطة وأماكن تخزين الأسلحة، وتخريب المنشآت، والحرق، والسرقة، وقام المتهم الخامس بقطع الاتصالات، ما أدى إلى انقطاع التواصل بالنجدة.
ورد ممثل النيابة على الدفع بانحسار دور الشرطة في عصر 28 يناير بأن هذا لم يحدث، وبناء على قرار الشهود أن صدور مرسوم بنزول الجيش لا يمنعها من أعمالها، لأنهم استمروا في العمل بجميع المواقع، وقال البعض من رجال الشرطة إنهم لم يتوقفوا عن أعمالهم.
وقال إن الدفع بخلو الأوراق بما يفيد إحراز قوات الشرطة أسلحة آلية وخرطوشا مردود بأن بنود محاضر التفريغ تفيد بخروج أسلحة في مواقع التظاهر، وقطاع الشهيد أحمد شوقى، طبقا للبند 12، تسلم 3 مجندين طلقات خرطوش، وعلى ذات النسق البندان 20 و24 أحوال، اللذين انتهيا إلى تسلم المجندين أسلحة خرطوش، إلى جانب أقوال بعض رجال الشرطة بأنهم كانوا يحملون أسلحة، وقول ضابط إنه فقد 400 طلقة، وهو أمر غير معقول.
وقال إن مدير أمن البحيرة حكم عليه بالحبس لترفق المحكمة به، إلا أنها أدانته بقتل المتظاهرين، خلافاً للواقعة الشهيرة التي قال فيها للمتظاهرين: «نحن أسيادكم». وأضاف أن التحقيقات التكميلية التي أجرتها النيابة العامة تبين منها طمس الحقائق من دفاتر الأمن المركزي، ولم يرد الدفاع على استخدام الأسلحة، ورد على الدفع بوجود طرف ثالث، أن هذا الأمر كشف أن المتهمين أهملوا وتركوا العناصر الأجنبية تدخل الميادين، وتصدوا لأبناء البلد، ما نتج عنه اقتحام السجون.
وقال ممثل النيابة، رداً على دفاع المتهمين الأول والسادس والرابع عن الشائعات التي لحقت به، إن النيابة تقرر أن النظام السياسي بالدولة وكثيرا من أجهزة الدولة استعدت لتوريث الحكم، واستند إلى أقوال أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، رأس السلطة التنفيذية بالبلاد، حيث قال إن المتهم الرابع كانت تتم إحاطته بهالة كبيرة من الإعلاميين، ويأخذ بعض الفعاليات، ويستعين بالوزراء ويكلفهم، وهو أمر غير معتاد في تنظيم رحلات الرئيس نفسه، ورئيس الجمهورية كان يعد نجله لتوريث الحكم).
انتهى الاقتباس من رد النيابة على أكاذيب دفاع مبارك، وأيا كان الحكم الذي سيصدر في هذه القضية، سجلوا ما قالته النيابة وحفظوه لأبنائكم وقولوا لهم إن ثورة يناير هي أروع حدث في تاريخ مصر الحديث وأن هؤلاء الشباب الذين كسروا حاجز الخوف وفتحوا باب الحرية هم شامة في جبين الوطن وأنهم أكثر الناس إخلاصا وتجردا وتضحية من أجل شعبهم، وأنهم ما نزلوا الميادين في عز جبروت نظام مبارك معرضين أنفسهم للموت سوى من أجل فقراء الوطن والمظلومين، لا تصدقوا الثورة المضادة وأبواقها التي نهشت في هؤلاء، وتبقى القضية مفتوحة علما بأنها ليست قضية جنائية فحسب بل هى قضية سياسية تلخص مأساة هذا الوطن الذي ثار أبناؤه على حكامه المستبدبن؛ فإذا بهؤلاء المستبدين يلومون الشعب على الثورة ويجرمون من شارك فيها ويطلبون محاكمته على أنه مخرب ومجرم ومتآمر وخائن وعميل!
نريد العدل للجميع ولا نقبل الظلم أبدا حتى لمن ظلمونا يوما، فالعدالة حق لكل البشر، دماء الشهداء لم تجف حتى الآن وقلوب أمهاتهم وصرخات آبائهم تخترق مسامع الوطن وتخاطب ضميره، إذا استعلى الباطل يوما واستقوى الزور وزيف الحقيقة فإن ساعة القصاص آتية لا ريب فيها (وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون).
alnagaropinion@gmail.com