لم ينتظر المصريون كثيرا بعد أن أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى، شارة البداية لمشروع قناة السويس الجديدة، والتقطوا الخيط من مقولة الأديب الأيرلندى الشهير، برنارد شو، «الفرق بين الواقع والحلم، هو كلمة (عمل)»، وعبر العاملون، إلى سيناء، لبدء حفر القناة، التى تمتد بطول 72 كيلومترا، منها 35 كيلومترا، حفر جاف، قبل انطلاق الموعد الرسمى، المقرر، غدا الأحد، لتعبر بمصر إلى عهد جديد لتحقق انطلاقة اقتصادية عملاقة، تحت شعار «دقت ساعة العمل».
القناة الجديدة التى حدد لها «السيسي»، عاما واحدا للانتهاء من إنشائها، فى تحد جديد لإرادة المصريين، تعيد روح التاريخ البطولى فى حرب أكتوبر 1973، التى قهر فيها المصريون المستحيل، وعبروا ليحرروا الأرض والعرض، على حد وصف أحد العاملين بالقناة الجديدة.
هذه الروح هى التى تسيطر على مئات العاملين فى المشروع وموقع العمل بالقناة الجديدة، والتى طالب العاملون فيها الرئيس والحكومة، بالفتح الفورى للاكتتاب فى الأسهم والسندات، للشراء، حتى يشعروا بأنهم يعملون فى ملكهم، وإنه لا مكان فيها وفى مصر الجديدة لمستغل أو فاسد أو محتكر.
«المصرى اليوم»، كانت هناك، شاركت فى أكبر عملية «عبور» من نوعها للبشر والماكينات منذ عبور أكتوبر، وعايشت اللحظات التاريخية ولحظة «الضربة الأرضية» لأول «سكينة» لودر فى صحراء سيناء، شرق قناة السويس.
اللحظة كانت تاريخية ومهيبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وإحساس لم يتمالك أمامه بعض المشاركين بالعمل أنفسهم من البكاء فرحا من جلال وعظمة هذا الحدث، واختار القائمون على المشروع الساعة الثانية ظهرا، تحت شمس سيناء الصفراء، موعدا لانطلاق العمل فى معايشة حقيقية لروح عبور أكتوبر.
مئات العاملين اكتسى جبينهم بالعرق فى كل مكان من الموقع، بعضهم يستمع لأغنية «بسم الله الله أكبر بسم الله»، و«صباح الخير يا سيناء»، وبعضهم فضل الاستماع للقرآن، وهم ينقسمون بين من يعمل على المعدات، ومن يعمل على الأرض، يخطط ويرسم ويقود العمال المنتشرين بحماس فى ساحة تمتد نحو عشر كيلو مترات، فى قلب سيناء، فى القطاع الأوسط، وقد بدأوا العمل.
لم تكن عملية الوصول لموقع العمل سهلة كما يتخيل البعض، كان لابد من الحصول على موافقات أمنية وسيادية للعبور والوصول إلى منطقة الحفر التى تتم وسط حراسة وتأمين كبيرين من قوات الجيش المدججة بالأسلحة والمنتشرة بطول الطريق وفى المعابر المختلفة تمنح الأمن والأمل لكل العاملين.
بعد الحصول على الموافقات، بدأنا العبور بالسيارة من معدية نمرة 6، بوسط مدينة الإسماعيلية، وهى المنطقة التى عبر منها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وموكبه، خلال الاحتفال بتدشين مشروع المحور والقناة الجديدة، وبعد عبورنا، توجهنا إلى الطريق المتجه إلى منطقة وسط سيناء، وتحديدا مدخل وادى التكنولوجيا، ومنه إلى الطريق الرئيسى المتجه للقنطرة شرق، مارين بطريق على قرية التقدم الخاصة بشباب الخريجين، وبعد نحو عشرة كيلو مترات من السير، عبرنا إلى طريق ضيق فى قلب الصحراء بطول حوالى عشرة كيلومترات بمنحنياته، مخصص فقط لعبور سيارات ومعدات المشروع، استغرق نحو عشرين دقيقة.
استوقفتنا نقطة للجيش، وبعد الاطلاع على موافقة الزيارة، والتأكد من أكثر من مصدر، عبرنا إلى موقع العمل.
المشهد مهيب، مستعمرة كاملة من المعدات، مئات العاملين على بعد أمتار، كان هناك عمال يقومون بتفكيك المنصة والخيمة الرئاسية التى أقيمت فى هذا الموقع، والتى أعلن منها الرئيس السيسى، تدشين القناة ومشروع تنمية محور القناة، فى إشارة إلى انتهاء وقت الكلام وبداية وقت العمل.
الحماس يسيطر على الجميع، لوادر تشق رمال الصحراء، تحمله على سيارات النقل، التى تنقله بدورها إلى موقع آخر يبعد نحو 20 كيلومترا، وهو الموقع المخصص للرمال التى تخرج من عملية حفر القناة.
فى الموقع، عشرات من لوادر الحفر التابعة للجيش فى أنتظار وصول الحفر لمنسوب محدد، لتبدأ العمل فى مرحلة ثانية مباشرة، كما قال أحد المقاولين بالموقع، ثم بعدها تأتى شركات عملاقة لاستكمال الحفر فور ظهور المياه من أعمال الحفر.
اقتربنا من العمال والسائقين لنسجل شعورهم ونعيش معهم هذه الساعات النادرة والتاريخية فى عمر كل منهم.
«معركة القناة»، بهذه العبارة بدأ صلاح ربيع، مقاول رفع رمال، حديثه، مؤكدا أنه وباقى زملائه من المقاولين يفخرون بالعمل بالقناة الجديدة، وإنهم فور الإعلان عن المشروع وتدشين الرئيس السيسى له، سارعوا بطلب المشاركة فى العمل دون أى اعتبارات مادية، لافتا إلى أنه لا يهمه سوى أن يغطى تكاليف عمله ومعداته والعمال دون أى ربح.
يقول: «أنا جبت ولادى معايا عشان يشوفوا إحنا بنعمل إيه، وأشعر إنى فى معركة القناة، وإنى أحارب تماما كما حارب آباؤنا فى حرب أكتوبر».
وبصوت عال، يقطع حوارنا أحمد رجائى، مقاول بالمنطقة، قائلا: «مش عاوزين كلام، عاوزين أفعال، دقت ساعة العمل زى السيسى ما قال».
وأضاف: «عندنا استعداد نبات هنا فى المشروع، دا أكبر تحد وإحنا قادرين بإذن الله عليه»، وأنا أثق فى الجيش مثل كل المصريين، ولولا إعلان الرئيس وتولى الجيش مهمة القناة وإنشائها ما شاركنا بهذه السرعة، لأننا نثق فى الجيش، وإذا وعدوا أوفوا، وأطالب الرئيس بفتح باب الاكتتاب فورا بالمشروع.
«خيرى على»، مقاول تحميل بالموقع، قال إن المشروع يفتح فرص عمل لجميع المقاولين بعد توقف دام طوال فترتى ثورة يناير ويونيو، لافتا إلى أنه يشعر بمصداقية الجيش والرئيس فى إنجاز المشروع خلال عام، والجميع على قدر التحدى، والعاملون معه على المعدات والسيارات لأول مرة يعملون بهذه الحماسة التى تسود فيها أجواء الحرب.
أما على بكرى جريش، مقاول لوادر وسيارات بالمشروع، فأوضح أن الرئيس السيسى، يعرف كيف يستثير الوطنية والانتماء لدى المصريين، عندما قال للشعب والمصريين «انتم نور عينينا»، مضيفا: «وإحنا بنقول للريس وسينا والقناة نور عينينا، ولن نهدأ إلا بعد استكمال المشروع».
أما عزازى الهادى، مقاول عمال ومعدات حفر، فأشار أيضا إلى أن أهم ما يميز المشروع أنه للتاريخ، والجميع لديه شعور بالوطنية، ولديه الإصرار والعزيمة لاستكماله فى أسرع وقت، وأنه شخصيا لجأ إلى زيادة عماله لتحقيق السرعة فى العمل المكلف به، مشيدا بالتواجد الأمنى، من الجيش الذى يمنح العاملين الاطمئنان كما أنه يجعلك تعيش أجواء الحرب، حسب قوله.
■ صباح الخير يا سينا
على أحد اللوادر التى تتولى رفع الرمال من موقع القناة إلى سيارات النقل، لنقله إلى خارج الموقع بنحو 20 كيلومترا، استوقفنا سائق يدعى أيمن عبدالعاطى، كان يستمع لأغنية العندليت عبد الحليم حافظ، «صباح الخير ياسينا، رسيتى فى مراسينا»، قال لنا: «النهاردة عيد، حاسس إنى بحارب عشان مصر، إحنا بنعبر النهارده»، مضيفا: «المشروع أعاد لنا الأمل بعد ثلاث سنوات من الاكتئاب والحزن، وانهارت فيها البلد، ولولا الله ثم الجيش لانتهت مصر».
ولفت إلى أنه يعمل 12ساعة يوميا، وستتم زيادتها إلى 24 فى المرحلة الثانية، بعد وصول مزيد من العمال من زملائه ليستمر العمل بنظام النوبتجيات.
■ الفراعنة الجدد
أحمد خليل، سائق لودر، قال إنه يشعر بالفخر وهو يكتب التاريخ من جديد، وإذا كان الفراعنة بنوا الأهرامات، وأجدادنا بنوا القناة، وآباؤنا بنوا السد العالى، فنحن نبنى الآن قناة السويس الجديدة، لنؤكد أننا «الفراعنة الجدد».
وأسفل أحد الجرارات العملاقة، جلس مجموعة من العاملين والمقاولين من أبناء قبيلة العيايدة، لهم لوادر وسيارات بالمشروع، يشربون المياه ويستظلون بظلالها قبل استئناف العمل، اقتربنا منهم، وقال وليد سويلم، مقاول، إن المشروع يمثل مرحلة جديدة من تاريخ مصر وسيناء، والقبائل بها، وفور علمه بالقناة حرص على المشاركة، بصرف النظر عن أى اعتبارات مادية، لأنها مسألة مصير وطن، وحرب للتنمية، وحرب على الإرهاب بالتعمير، مشددا على أن جميع القبائل أعلنت دعمها للمشروع، والمشاركة به، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الوطن، وهو مشروع كل المصريين.
أما عودة سلام، وعيد سالم، وسليمان سلمى، وسليم سلمى، وجميعهم من قبيلة العيايدة، أكدوا أنهم أبلغوا عائلاتهم أنهم سيضطرون للمبيت فى الموقع حتى انتهاء العمل، وأنهم يشعرون بأن سيناء تتحرر من جديد على يد الجيش، وعلى أيديهم، فى هذا المشروع الجديد العملاق، ويعبرون عن أملهم بأن يكون لأبناء سيناء نصيب فيه، سواء بالعمل بالقناة بعد اكتمالها، أو مشروع وادى التكنولوجيا، أو مشروع تنمية محور قناة السويس، مطالبين «السيسي»، بأن يعلن صراحة ذلك المطلب فى قرار جمهورى، ويضع نهاية لمعاناة أبناء سيناء المهمشين عبر عقود من الزمن، حسب قولهم.
أما نصرالله العيادى، مقاول، أحد القيادات السيناوية بالمنطقة، فطالب الجيش بفتح الباب أمام جميع المقاولين للعمل فى حفر القناة، خاصة رفع الرمال، حتى يتم توسعة المشاركة، كما أعلن «السيسي»، مؤكدا أنه نقل هذا المطلب الى قيادات الجيش والعاملين بالمشروع، وينتظر موافقة الرئيس، وأن عشرات من أبناء سيناء ممن يمتلكون معدات ولوادر، يرغبون فى المشاركة بأقل الأسعار، مشاركة منهم فى هذا المشروع الوطنى.
■ شباب يطلبون التطوع والأمن يمنعهم
محمد البعلى، شاب برفقة ثلاثة من أصدقائه «سعد وسامى وحمدى»، من مدينة القصاصين، منعهم الأمن من العبور إلى الموقع للعمل كمتطوعين، بعد أن سمعوا خطاب الرئيس ودعوته المصريين إلى الاكتتاب.
قال «البعلى»: «جئت إلى سيناء عابرا القناة مع أصدقائى سعد وسامى وحمدى، للتطوع بالعمل فى المشروع كسائقين أو عمال أو أى عمل نكلف به، وفوجئنا بالأمن يمنعنا من الوصول إلى الموقع، وعدنا والحزن يتملكنا، ونطالب القائمين على المشروع بفتح باب التطوع بالعمل، لأن القناة والعمل بها مثل الحرب، ووقت الحرب لا وقت للتخاذل»، مشددا على أنه لن يستسلم وسيعود مع أصدقائه سعد وسامى وحمدى مرة أخرى.
■ ائتلاف شبابى للأسهم
محمد الشريف، أحد شباب الثورة، منسق ائتلاف العاملين بشركة توزيع كهرباء القناة، أعلن عن تشكيل أول ائتلاف شبابى بالإسماعيلية، لشراء أسهم بالقناة الجديدة، لضمان توفير التمويل لها وإنجازها فى أسرع وقت ممكن خلال عام، وقال: حاولنا العبور للموقع ولم نحصل على الموافقة، ونطالب المسؤولين بتنفيذ تعليمات الرئيس لزيارة الموقع حتى يمنحوا الفرصة للأجيال الحالية المشاركة فى المشروع بأى وسيلة ممكنة.