داعش وتهجير المسيحيين

نادين عبدالله الثلاثاء 05-08-2014 21:48

تفككت الدولة فى العراق إثر الاحتلال الأمريكى لها، وانتهت مقوماتها لاسيما بعد تفكيك جيشها. وبعكس منظرى مدرسة «الفوضى الخلاقة»، لم تدفع الفوضى إلى أى شىء «خلاق» بالعراق، كما لم يؤد سقوط الدولة (على الأقل حتى الآن) إلى بناء النظام الديمقراطى المزعوم. فقد شهدنا فقط قيام نظام إدارى متناحر يقوم على أساس قواعد محاصصة طائفية تفتقر إلى الكفاءة وبها قدر كبير من التمييز لصالح فئات بعينها.

وفى إطار تفكك الدولة العراقية، وفى سياق إقليمى مشتعل بمزيد من الصراعات الطائفية، سيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» أو داعش على مدينة الموصل. وللمرة الأولى فى تاريخ العراق، أجبر هذا التنظيم المسيحيين تحت التهديد بـ«السيف» على مغادرة المدينة. وفى مشهد شديد الإقصائية والتطرف، قاموا بتوزيع بياناً يدعوا فيه المسيحيين صراحة إلى اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو الخروج من منازلهم بملابسهم ومن دون أى أمتعة. فللأسف الشديد يدفع المسيحيون، باعتبارهم أقلية، ثمن كل من سقوط الدولة وتربع نظام طائفى على أرض العراق.

ولك أنت تتخيل ما عانته إحدى النازحات، كما أكد الموقع الإلكترونى للحياة بتاريخ 19 يوليو، حتى تتأكد من حجم الكارثة والمعاناة: «تركت منزلًا فى الموصل كان ملكًا لعائلتنا، تهاوى هذا المنزل أمام عينى فى لحظة واحدة. كل شىء انهار لتمحى الذكريات ويصبح منزلنا بكل سهولة، ملكًا لعقارات الدولة الإسلامية من دون وجه حق. وصلنا فى حالة من التعب الشديد، ولم نأكل شيئًا ولم نشرب مياهًا على مدى نهار كامل. كنت وزوجى نحمل أطفالنا على أكتافنا طول الطريق وقام بنقلنا بعض عابرى السبيل، بعدما سلبنا عناصر داعش سياراتنا، وكل ما كان بحوزتنا عند حاجز التفتيش».

نعم، إنه لأمر مفجع ما يعانيه المسيحيين من تهجير على أيدى تنظيم يرتكب، باسم الدين، أبشع الجرائم فى حق المسلمين قبل المسيحيين. وهل من الطبيعى أن يفرض تنظيمًا على المسلمين معتقداته هو وأن يخيرهم بين اعتناقها وبين القتل؟ بل ويجبرهم على التزوج القسرى من بناتهم أو أخذهم عنوة؟ فإن لم يكن ذلك هو الإرهاب فما عسى أن يكون الأخير؟ لم أحزن فقط على «مسيحيين» سلب وطنهم منهم، بل بالأحرى على «بشرٍ» شردوا ظلماً وبهتاناً. فقيمة الإنسان هى فى إنسانيته (ولابد أن تظل كذلك)، وليس فى دينه أو لونه أو انتمائه. يستحق الإنسان الاحترام لأنه إنسان، ولأن بداخله روح! للأسف، لم يفهموا أن الله خلق الإنسان حرًا، وليس لهم أن يقيدوه، ولم يستوعبوا أن دائرة الإقصاء المفرغة لن تدر سوى الفناء عاجلاً كان أو آجلاً.

nadine_hani@yahoo.com