ظل الأزهر منبرًا ثوريًا وداعمًا لثورات الشعوب ضد الاستعمار والاستبداد إذ لعب دورًا محوريًا في اشتعال ثورتي القاهرة الأولى والثانية أثناء الحملة الفرنسية علي مصر مرورًا بثورة 1919 ومن قبلها الثورة العرابية.
وعلى خلاف هذا الموقف العظيم الذي وقفه الأزهر الشريف من الثورات، اتسم موقف الأزهر من حركة الضباط الأحرار ونظام يوليو بالصدام وإن كان صداما محدودا تجلى في وقوع بعض المصادمات بين بعض مشايخ الأزهر ونظام يوليو بعد قانون تطوير الأزهر ومادة الدين الإسلامي الغائبة في دستور 1960 دستور الوحدة ويتحدث عن هذه العلاقة الدكتور عاصم الدسوقي والدكتور محمد حافظ دياب.
وقال الدكتور عاصم الدسوقي إن نوعا من الصدام وقع بين الأزهر وعبد الناصر حين قرر ناصر تطوير الأزهر في 1961 وتحويله إلى جامعة تدرس العلوم المدنية مع العلوم الشرعية مثل الهندسة والطب والعلوم واعتقد بعض المشايخ أن هذا يخرج الأزهر عن رسالته الشرعية في الحفاظ علي علوم الدين، فيما كان عبد الناصر له هدف آخر من وراء هذا التطوير، وهو مواجهة النشاط التبشيري في أفريقيا بين الشعوب الوثنية حيث كانت فكرة عبد الناصر تدور حول أن يذهب الطبيب الأزهري والمهندس الأزهري والمدرس الأزهري وهكذا ليقوموا بالدورين، أي الدعوة من خلال الخدمة وتلبية احتياجات الناس.
كما كان «ناصر» يهدف من خلال ذلك إلى مواجهة النشاط الإسرائيلي داخل أفريقيا بعد أن أرادت إسرائيل أن تخنق هذه القومية عن طريق تقوية علاقتها بالدول الغير عربية المحيطة بمحيط دول القومية العربية ابتداء من إيران مرورًا بتركيا وصولاً إلي الحبشة وكانت كل هذه الدول قد قطعت علاقتها بإسرائيل.
وأضاف «دسوقي» أن معارضة الأزهر لقرار «ناصر» بتطوير الأزهر «أنه لم يكن يجرؤ أحد أن يعارض هذا فقط بعض المشايخ عارضوا القرار، ومن المدهش مثلا أن الدكتور الطيب النجار فكر في إنشاء لجنة لإعادة النظر في قانون تطوير الأزهر وكان المستشار طارق البشري متحمسا لهذا، أما الدكتور محمد حافظ دياب فقد كان له رأي تفصيلي لتاريخ الأزهر في محطاته الثورية ودعمه لبعض الثورات فيما كان موقفه متخوفا ومتحفظا من ثورة يوليو».
من جانبه قال الدكتور «دياب» إن «الأزهر تاريخيا وقبل اتلمؤسسة العسكرية يمثل الدعامة الأساسية للوطنية المصرية وهو مايتضح عبر الحركة الوطنية في مصر ابتدءًا من ثورتي القاهرة الأولي والثانية في عهد الحملة الفرنسية علي مصر بالإضافة إلى ثورة الصعيد الذي كان يضم فيلقا اسمه (فيلق الأزهر) ويضم طلابا من مختلف أنحاء أفريقيا وكانوا يدرسون في الأزهر، وساعدوا شعب الصعيد في مواجهة الغزو الفرنسي، مرورا بدور الأزهر مع الثورة العرابية حيث كان لمشايخ الأزهر دورًا كبيرًا لدرجة أنهم كفروا الخديو توفيق، وكذلك في ثورة 1919».
وأضاف «دياب» أن موقف الأزهر من ثورة 23 يوليو 1952 كان موقفا ضعيفا لأن الفترة بين الحربين العالميتين الأولي والثانية أعجزته عن القيام بتحقيق أهدافه، وعندما جاءت ثورة يوليو لم يكن هناك موقف معها أو ضدها ولكن الموقف الحاسم كان عندما صدر دستور 1960 وهو دستور الوحدة الذي نص علي إلغاء المادة التي تقول بأن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة».
وتابع «دياب» «من بعدها أدخلت تعديلات علي قانون الأحوال الشخصية في نفس العام، ومع دولة الوحدة بدأت تطل برأسها ظاهرة جديدة تمثلت في أن الدين أصبح عنصرا من عناصر الصراع بين الديني والسياسي بين نظام يوليو والقوي العربية المحافظة خصوصا السعودية وهو ما أدي إلي إنشاء المجلس الأعلي للشؤون الإسلامية في 1960 الذي بدأ يوسع من نشاطه بصورة ملحوظة في نشر التعليم الديني في مختلف البلدان الإسلامية».
وأوضح «دياب» أنه اتفاقا مه هذه الظاهرة وافق مجلس الأمة في منتصف 1961 علي مشروع قانون بإعادة تنظيم الجامع الأزهر والهيئات التي يشملها ونص القانون علي إنشاء 5 هيئات هي المجلس الأعلي للأزهر ومجمع البحوث الإسلامية وإدارة الثقافة والبعوث الإسلامية وجامعة الأزهر والمعاهد الدينية وعين له وزيرا للمرة الأولي واستحدث كليات جديدة هي التجارة والبنات والطب وطب الأسنان والصيدلة والزراعة والتربية والعلوم ومعهد الدراسات الإسلامية والعربية ومعهد اللغات والترجمة، وجاء هذا القانون كضرورة لكي تتواكب حركة هذه المؤسسة الإسلامية مع توجهات عملية التنمية وكي تتسق مع رغبة النظام السياسي في إعادة ترتيب البيت المصري من الداخل وفق مفاهيمه للدور المصري والحضور المصري في أفريقيا والمنطقة العربية.
وتابع «دياب» « أذكر أن الأجواء ظلت متكدرة بين الأزهر ونظام 23يوليو بفعل شخص الأمين العام للمجلس الأعلي للشؤون الإسلامية والذي أقاله (الشعراوي) لاحقا وكانت عين هذا الرجل علي منصب وزير الأوقاف».