ربما لا يعلم كثيرون أن مدينة رفح، الواقعة جنوب «قطاع غزة»، تصدّر لأوروبا، نوعا واحدا من البضائع، وهو «الورود». لكن الفلسطينيين في المقابل، لا يستوردون من أوروبا هذه الأيام، سوى «الموت»، والذي يأتيهم عبر الدعم اللامحدود الذي تقدمه الدول الأوروبية لإسرائيل، من خلال شحنات السلاح، والدعم المالي.
فقبل أشهر قليلة، كان عشرات المزارعين، على الحدود الشرقية لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، يُمسكون أكواما من ورود القرنفل أحمر اللون، وبمقصات تعرف طريقها جيدا نحو أطراف الأزهار، ينتهون في دقائق من عملية تنسيق وتغليف الورود وإدخالها إلى الثلاجات لحفظها تجهيزا لتصديرها إلى الدول الأوروبية. واليوم وفي ذات المكان، يضع المزارع الغزي حمدان حجازي، في ثلاجته الخاصة لحفظ الورود، جثامين، لقتلى أطفال ونساء، لم تتمكن المستشفيات في مدينة رفح من استقبالهم في ثلاجات الموتى بفعل القصف الإسرائيلي الذي تسبب بمقتل وإصابة المئات.
ويبدو المشهد كما يقول حجازي، قاسيا وبشعا، فكيف لثلاجة تم تخصيصها لحفظ الروائح الجميلة، والورود بأشكالها الرائعة أن تتحول إلى مكان يحتضن الجثث خوفا من التحلل والعفن. وتبدو الصورة هنا متناقضة، وتبعث على الاشمئزاز كما يتابع حجازي: «قبل أشهر، كنا في هذا المكان نتسابق، لتنسيق الورود، وتغليفها بطريقة فنية تجعل من تغليفها صالحا للتصدير، هذه الورود الحمراء، تسافر إلى بريطانيا، وهولندا، وغيرها من الدول الأوروبية، واليوم يأتينا الموت من هناك».
ويكمل حجازي: «أوروبا وأمريكا هي من تقتلنا وليس إسرائيل.. هذه الدول الأوروبية هي التي صنعت إسرائيل وهي من تدعمها بالقنابل والأسلحة، والقذائف التي تحول أجساد أطفال غزة إلى أشلاء، وأجساد متفحمّة». وأمام الكم الكبير من القتلى في رفح، لجأ الأطباء في المستشفيات للاستغاثة بمالكي ثلاجات الورود، لنقل القتلى ووضعهم داخل تلك الثلاجات، قبل أن تتحلل أجسادهم. ووفق مصادر طبية، فلسطينية فإن القصف الإسرائيلي على رفح في اليومين الماضيين، أسقط أكثر من 100 قتيل، فيما لاتزال عشرات الجثامين وفق تأكيد شهود عيان تحت الأنقاض. ويتذكر المزارع «أكرم شريتح» 42 عاما كيف كان قبل أشهر قليلة، يُغلّف الورود ويُدخلها إلى الثلاجات لحفظها تجهيزا لرحلة انطلاقها، إلى دول أوروبا.
أما الآن، فيقف شريتح مذهولا، ويشعر بالصدمة كما يقول لوكالة الأناضول، وهو يضع جثة لطفلة لم تتجاوز الثلاثة أعوام، في ذات الثلاجة، التي كانت تحتضن الورد. ويستدرك: «نصدّر لهم الورود، ونستقبل منهم القنابل المميتة، التي تحول أجساد أطفالنا إلى أشلاء، نعجز حتى عن دفنهم، فنضعهم في ثلاجات الورود». ويصدّر قطاع غزة إلى أوروبا، وفق إحصائيات لوزارة الزراعة الفلسطينية 5 ملايين زهرة في العام الواحد، في وقت كانت تصدر فيه أكثر من 40 مليون زهرة سنويا، قبل أن تفرض إسرائيل حصارا خانقا على قطاع غزة عام 2007.
وحول القصف الإسرائيلي بلدة خزاعة، شرق خان يونس جنوبي قطاع غزة، إلى كتلة من اللهب والنيران، والدمار، وأذاب القصف ما تتمتع به البلدة الريفية من روائح فواحة، تبعثها الورود والأزهار المتراصة على طول الأراضي الزراعية هناك. وتشتهر البلدة بزارعة أزهار القرنفل، بأشكالها المتعددة، وتزرع البلدة الغزية الورود وتصدره إلى دول أوروبا. واليوم تحترق الزهور، والمحاصيل الزراعية ويموت العشرات في البلدة دون أن يحرك أحد ساكنا، كما يؤكد المزارع «نائل أبورجيلة» (55 عاما). ويُضيف: «هذه البلدة تشتهر بزراعة الورد، الذي يخرج إلى دول أوروبا كي تحتفي بمشهده الجميل، ولكن اليوم يُسحق الزهر وأصحابه، وتبيد إسرائيل بقذائفها كل شيء، هذه القذائف التي تأتي من أوروبا، حتى أمريكا نقوم بتصدير النباتات العطرية لها، وترسل لإسرائيل ما يقتلنا».
وكانت حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، حماس قد استنكرت مؤخرا موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، على تزويد إسرائيل بعدة أنواع من الذخائر والقذائف.وكانت وزارة الدفاع الامريكية، كشفت عن استجابة أمريكا لطلب «إسرائيل» تزويدها بعدة أنواع من الذخائر، ومنها قذائف «هاون»، وقنابل يجري إطلاقها من الرشاشات. وقال الناطق بلسان البنتاغون الأميرال «جون كيربي»، إن الولايات المتحدة ملتزمة بضمان أمن اسرائيل، وأنه من المصلحة الأمريكية أن تملك إسرائيل القدرات اللازمة للدفاع عن نفسها، وفق ما قال. وكانت منظمة العفو الدولية «أمنستي» دعت في وقت سابق الولايات المتحدة الأمريكية إلى الكف عن تزويد إسرائيل بالأسلحة، والى ممارسة الضغوط على الأمم المتحدة لحملها على فرض حظر على بيع الأسلحة للأطراف الضالعة في النزاع. واعتصم ناشطون وحقوقيون، الاثنين، الماضي أمام مصنع «إيدو» للسلاح في مدينة برايتون جنوبي العاصمة البريطانية لندن، احتجاجا على تزويد المصنع للطائرات الإسرائيلية بأنظمة ومعدات حربية.
ومن جهتها، جددت منظمات حقوقية وحركات مناهضة لصناعة الأسلحة اتهاماتها لشركات بريطانية بالتواطؤ في تصنيع وتوريد مكونات حربية لطائرات إف16 الأمريكية التي تستخدمها إسرائيل في حربها الحالية على غزة. وقالت المنظمات إن شركة «إم.بي.إم إيدو» لعبت دورا واضحا في سلسلة عمليات استيراد وتصدير، مما يحملها نصيبا من المسؤولية عن جرائم إسرائيل في غزة، وأكدت أن الحكومة البريطانية لم تفعل شيئا لوقف المجازر، بما يخالف الالتزامات القانونية والدولية, ولوائح ومعايير تصدير الأسلحة البريطانية. وأدانت منظمة «سحق إيدو» إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل في غزة، تُستخدم فيها أسلحة من مصنع «إيدو»، بينها مكونات حيوية لطائرات إف16 وصواريخ استخدمت في تدمير البنية التحتية لغزة، في انتهاك لاتفاقيات جنيف.
وتصاعدت وتيرة مناهضة هذه المصانع -خاصة مصنع إيدو- بسبب العدوان الحالي على غزة بعد الكشف أن بعض هذه المصانع زودت إسرائيل بمكونات استخدمت في هذه الحرب. ووفق تقارير أوروبية فإن غالبية الدول الأوروبية المنتمية للاتحاد الأوروبي تزود إسرائيل بالسلاح وبكميات كبيرة من المعدات العسكرية.