«مرسي ابن المعلم الزناتي انهزم يا رجالة»، من عبارة قالها وهو شاب يقفز بسرعة الدرجات الأولى لسلم النجومية في السبعينيات، نعى الفنان سعيد صالح محبوه الممتدون في خط يجمع جيل الأجداد بالأبناء والأحفاد.
رحل «ابن المعلم الزناتي»، بعد مرور النصف الأول من أول أيام عامه السادس والسبعين، وبعد ساعات قليلة من انقضاء يوم مولده 31 يوليو، إثر «صراع مع المرض»، حسبما تداولت الأخبار، يلازمه ما لم تذكره الأنباء من صراع ثان مع «الركود» المهني و«التجاهل» الفني، على العكس من صراع ثالث في محيطه العائلي كان مادة خصبة للصحف والفضائيات.
سارت حياة سعيد صالح، الذي عرف طريقه للناس كوميديانًا واعدًا من المسرحية الأشهر والأكثر شعبية في تاريخ المسرح المصري «مدرسة المشاغبين»، على خط مشابه لخط «مرسي» البطل الثاني والمضحك الأول بالمسرحية سالفة الذكر، وكأن عبارة «أصل أنا طايش»، لم تكن لشخصية بطل المسرحية فقط، بل لشخصية سعيد نفسه.
كانت البدايات تبشر بنجم كوميديا من الجيل الجديد التالي على «المهندس» و«مدبولي» وإسماعيل ياسين، وذلك منذ أن ظهر على خشبة المسرح في نهاية الستينيات في مسرحية «هاللو شلبي»، قرويًا ساذجًا يرتدي نظارة طبية ويبهره «شراب أستك منه فيه»، ومن بعدها شابًا متهورًا ابن أسرة ثرية بـ«الانفتاح»، وهو ما أتقن «صالح» تجسيده في مسرحيتي «مدرسة المشاغبين» و«العيال كبرت»، اللتين رجحت فيهما كفة سعيد عمن حوله من ممثلين مبتدئين مثله تمامًا، بمن فيهم عادل إمام، الذي سينطلق ويصبح لقبه بعد أعوام «الزعيم»، بينما سيتعثر رفيق دربه.
قالت البدايات إن لسعيد صالح الكلمة العليا، خاصة في العملين سالفي الذكر، ففي «مدرسة المشاغبين» تمكن من كسب مساحة من الجماهيرية بإفيهات مثل «الواد منصور مبيجمعش» أو «مرسي ابن المعلم الزناتي انهزم يا مينز» وبارى بها عادل إمام الذي كان اعتماده الأكبر في الإضحاك على ملامح وجهه، وفي «العيال كبرت» واصل سعيد الإضحاك بإفيهاته التي أثارت استهجان البعض كأحد ملامح «فن السبعينيات»، وكان بطريقته «المعادل» لطريقة أحمد زكي.
عُرف عن سعيد صالح، المتخرج في كلية الآداب عام 1960، خروجه عن النص، واستعانته بالإفيهات السياسية التي لم تقتصر على ذلك الشهير الخاص بـ«عصر الانفتاح» الذي أطلقه في «العيال كبرت»، بل تكررت وكان منها ما قاله بحق الرؤساء الثلاثة في مسرحية «كلام حبيبي» وتسبب في حبسه 45 يومًا، وعلى الرغم من هذا لم يقلع سعيد عن العمل في مسرحيات سياسية، منها «كعبلون»، لدرجة جعلت البعض يطلق عليه لقب «ملك المسرح السياسي»، كما لم يقلع عن الخروج عن النص.
والخروج عن النص، كان لحياة سعيد الخاصة جزءً منه، فهو الفنان الذي خطفه السجن، بتهمة تعاطي المخدرات، من على درب النجومية وفي أوج تألقه، مما كان سببًا في غيابه عن الساحة الفنية لفترة في التسعينيات، تمكن قبلها من أداء أدوار البطولة في أفلام كانت حصيلتها أكثر من 500 فيلم، اختلفت بين أدائه لدور البطل أو صديق البطل، الذي كان في أغلب الأوقات عادل إمام، وبين البطولة المطلقة أو الجماعية في أفلام أخرى خاصة في السبعينيات والتي عٌرفت باسم «أفلام المقاولات» التي كان مع سمير غانم ويونس شلبي، أبرز نجومها، وعلى الرغم مما جناه سعيد من أموال من هذه الأفلام، إلا أن سخائه وعدم حرصه على الاحتفاظ ولو بالقليل منها، كانا سببًا في ضياعها.
سعيد صالح، الذي وافته المنية بعد معاناة مع قرحة المعدة ومن قبلها مشكلات في القلب، وسيشع لمثواه الأخير في مسقط راسه بمحافظة المنوفية، قدم للمسرح أكثر من 300 مسرحية، عاش بين الجمهور منها عدد يناهز أصابع اليد، كان له بعيدًا عن المسرح والسينما، اهتمامات أخرى أهمها على الإطلاق بالنسبة له كان التلحين، الذي دفعه لتلحين معظم مسرحياته، بل جعله شغفه به يلحن قصيدة «بلقيس» لنزار قباني، وأهله لأن يصبح عضوًا في نقابة الموسيقيين عام 1984، حسبما كشف في حوار صحفي.
في آخر أعوامه، ظهر سعيد صالح في أدوار ثانوية سواء مع صديقه «الزعيم» أو مع النجوم الجدد، دون أن يسبب له الأمر أي إزعاج، لأنه كان يرى في نفسه دائمًا «فنان شامل»، ولآخر لحظة قادر على الإضحاك كما فعل وهو شاب ثلاثيني جسد أدوار أسمائها على اختلافها من «مرسي» إلى «سلطان» وغيرهما مازالت محفورة في ذاكرة جمهوره.