«العبرة بالخواتيم».. مقولة شهيرة تفرض نفسها على عدد من المسلسلات الرمضانية التي جذبت الجمهور طوال الشهر الكريم، وجاءت حلقتها الأخيرة مخيبة لآمال المتفرجين، لأنها لم تفك ألغازًا ولم تكشف عما خفي، مثل ما حدث مع جثة سيد نفيسة، التي لم تظهر، ولم يستدل على أي أثر له، وسيبقى لغزًا رمضانيًا ودراميًا كأمور كثيرة في حياتنا كمصريين.
المتابعون لمسلسل «السبع وصايا» انتظروا 30 يوما لمعرفة سر اختفاء جثة «سيد نفيسة» الذي قتله أبناؤه السبعة، للحصول على ثروته التي تقدر بـ 28 مليون جنيه، وظلوا يتيهون في مزيد من الجرائم والخطايا بسبب هذا الاختفاء الملعون الغامض الذي أبى المؤلف محمد أمين راضي أن يريح الجمهور ويعرفهم مكان جثة نفيسة.
ومنذ سنوات طويلة، وبعدما تحولت المسلسلات الرمضانية إلى تجارة أكثر منها فنا وصناعة، نادرا ما جذب مسلسل الجمهور لدرجة التفاعل معه ومع أبطاله مشهدا بمشهد، وانتظار كل حلقة منه بكل شغف وفضول، والتفكير والحيرة فيما سيحدث انتظارًا للحلقة الجديدة منه، وكنا نشهد ذلك مع أعمال محفورة في تاريخ الدراما مثل «ليالي الحلمية» و«الشهد والدموع»، لكن فانتازيا «السبع وصايا» المليئة بكافة عناصر الصراع الإنسانية، من شهوة المال والبنين والنساء والسلطة والطمع والأنانية والخطايا، نجحت في أن تعيد الجمهور مرة أخرى للالتفاف حول شاشة التليفزيون، بعمل يحمل الكثير من القيم والأفكار الفلسفية والنفسية التي تجعلك تعمل عقلك وتفكر فيما يحدث لهم وفيما يقدم لتتأمل مامررت به طوال حياتك.
لكن المطاف ربما لم ينته بك مثلهم، لأنك لجأت إلى عقلك واستخدمت تلك المنحة الربانية الجميلة ولم تضعها تحت تأثير نفسك الأمارة بالسوء وشيطانك الإنسي كأبطال المسلسل، وربما وضع كثير من المشاهدين أنفسهم محل أحد الأبطال، لكنه بالتأكيد لم يتوقع أن ينتهي إلى هذا المصير الذي صاغه المؤلف محمد أمين راضي بحبكة واقتدار تتوازي مع براعة خالد مرعي الإخراجية وموهبة مجموعة من الممثلين لا يزال الطريق أمامهم لمزيد من الكشف عن إبداعاتهم.
إلا أن الحلقة الـ30 صدمت المشاهدين الذين كانوا يريدون حل كثير من الألغاز وليس سر اختفاء الجثة فقط، ومعرفة لماذا أرجع المؤلف كل ما مر به الأشقاء السبعة، «بوسي ومحمود وصبري ومنصف وإم إم ومرمر وهند» من أحلام بأبيهم يخبرهم خلالها عن وصاياه ويقدم لهم نصائحه، فأخرجهم من الفانتازيا الخيالية الجديدة التي أدخلهم عالمها منذ الحلقة الاولى، ليخرج المشاهدين وكأنهم مطرودون من هذا العالم عندما أفاقوا على حقيقة أن أوسة – سوسن بدر – هي التي خططت منذ البداية للاستيلاء على المال، وكانت وراء تبديل بعض الوصايا وقتل بوسي لأشقائها الستة بدس السم في الطعام.
ومثلما أراد المشاهدون أيضا أن يعرفوا لماذا امتلأت الحلقة الأخيرة بما يشبه أجواء الرعب فيما أصاب أوسة من هلاوس ومطاردة بوسي لها حتى في أحلامها، بدت خلالها جامدة، تميت بقلب بارد، بل تلطخ جثث أشقاء بوسي بالجبس كي لا تفوح روائحها، ولماذا كذلك لم تسأل أي أم من زوجات الأشقاء عن ابنها، فظلوا لدى بوسى، ثم تشفق عليهم أوسة فتتولى رعايتهم بعد إصابة الأولى بالجنون.
كما كان تحول الحلقة الأخيرة إلى فلاش باك في غالبية مشاهدها، لكشف تورط أوسة وابنها الضابط في تغيير مصير الأشقاء وعدم تنفيذ الوصايا كما طلب الأب، وتقديم الحدوتة الشيقة في النهاية واستقراره كسيناريو ترغب أوسة في إنتاجه سينمائيا أفرغ الموضوع برمته من جاذبيته ونقله إلى أرض الواقع، ليصعب على المتابعين قبوله بهذه الطريقة، فمن تابع حلقات «السبع وصايا» منذ البداية دخل هذا العالم الملئ بالتواشيح الصوفية والحضرة وانعزل عن كل شئ، وعاش في جوه الفانتازي الخيالي، وكان يريد تبريرات خيالية وفانتازية أيضا لا علاقة لها بالواقع، ولا تريد أن تنتهي كمشروع سينمائي تود أوسة إنتاجه، أو كما بدا من المشهد الختامي بين أوسة وبوسي كأننا في انتظار جزء ثاني، على طريقة الأفلام الأمريكية حين تخبر بوسي أوسة «العيال اللي انتي بتربيهم في حضنك.. أوعي تفتكري إنك هتسلمي من أذاهم.. الحق راجع راجع».
تستحق الحلقة الثلاثين من «السبع وصايا» أن تشاهد مرة أخرى، لمن يريد أن يفهم أن محمد أمين راضي لم يخرج عن سياق الفانتازيا والخيال الذي رسمه منذ الحلقة الأولى، فقط من ظل مهووسا بمعرفة مصير جثة سيد نفيسة هو من لم يرض عن تلك النهاية، مثلما ظل كثيرون يصدقون أن سيد نفيسة له كرامات، ويعتقدون في قيمة الأحجبة والتبرك بأحد الأولياء عند زيارة ضريحه، وربما هذا ما دفع راضي للتصريح قبل يومين على صفحته بـ«فيس بوك»، بأنه من الممكن اعتبار الحلقة 29 هي المكملة للعمل، إذا وجدوا أن محاولته لوضع المسلسل على أرض الواقع الصلدة غير مقبولة بالنسبة لهم.
ويبقى السبع وصايا العمل للمخرج خالد مرعي الأكثر اختلافا وتميزا وشعبية في دراما رمضان هذا العام، والعبرة به ليست بالخواتيم حقا، لأنه جذب الناس من حلقته الأولى، ولا يزال الجمهور بعد انتهائه يتحدث عنه وعن تأثره به ومهووسا بكرامات المتوفي سيد نفيسة ومقتنعا بها.