بصيرة الحاجة زينب.. لا بصرها

سليمان جودة الإثنين 28-07-2014 20:35

لابد أن الذين تابعوا حكاية الحاجة زينب مصطفى، التى استقبلها الرئيس فى قصر الرئاسة، قد تأثروا بها للغاية، ولابد أن التأثر هنا كان راجعاً فى أساسه إلى أن الحس الإنسانى فى الحكاية كان رفيعاً حقاً، ومن قبل كان الحس الوطنى، سواء من جانب الرئيس أو من جانب هذه السيدة المصرية الأصيلة التى جسدت «روح» مصر فى لحظة.

ولست فى حاجة إلى أن أعيد رواية الحكاية من الجديد، فقد اشتهرت فى كل ركن، وملأت الدنيا، وشغلت الناس، وصارت حديثاً فى كل محفل، لذلك، فمن الضرورى أن نتكلم عما بعدها، وليس عنها هى بشكل مباشر.

وإذا كانت الحاجة زينب قد باعت حلقها، وتبرعت بقيمته لصندوق «تحيا مصر» الذى بادر الرئيس وتبرع له بنصف راتبه ونصف ثروته، فمعنى هذا أن صيت هذا الصندوق واصل إلى خارج العاصمة بما يكفى.. وإلا.. فهذه سيدة كفيفة، أعطاها الله الصحة، قد سمعت به فى عمق قريتها التى تتبع أحد مراكز مدينة المنصورة فى محافظة الدقهلية، فأحست بأن بلدها يناديها، فلم تشأ أن تخذله، رغم أن ما تملكه قليل، وفضلت أن تأخذ من سعادتا بـ«حلق» هو كل ما تملكه، لتضيف، ولو طوبة واحدة، فى بناء وطنها!

هذه فرصة، إذن، لتكون حكايتها درساً لنا جميعاً، دون استثناء، ثم للقادرين منا على نحو خاص.. وسوف يلاحظ الذين يتابعون أمر الصندوق، منذ بدايته، أنى أتكلم عن الذين عليهم أن يضعوا فيه بعض ما عندهم، بوصفهم قادرين وليسوا فقط رجال أعمال.

فلقد استقر فى أذهان كثيرين بيننا، منذ فترة، أن الذين يملكون الكثير من المال فى مجتمعنا هم رجال الأعمال وحدهم، وهو اعتقاد خطأ تماماً، لأننا لابد أن ننتبه عندما نأتى لنتكلم فى هذا الملف، إلى أن المقصود هم القادرون إجمالاً، فى البلد، سواء كانوا رجال أعمال أو أطباء أو محامين أو فنانين أو مهندسين... أو ميسورين فى العموم.

هؤلاء القادرون فى بلدنا لا يجوز أن يتخاذلوا وقد رأوا ما قامت به الحاجة زينب تطوعاً ودون ضغط من أحد، إلا ضغط من ضميرها الوطنى الذى لابد أنه قد همس إليها بأنها لا يجوز أن تتخلى أو تتقاعس أو تتأخر عن نداء بلد يواجه ظروفاً صعبة.

والحقيقة أنه سوف يكون شيئاً مسيئاً لنا جميعاً، إذا جاء يوم قريب ولم يجمع الصندوق المبلغ الذى حدد الرئيس سقفه الأعلى.. سوف يكون شيئاً غير محمود فى حقنا وفى حق قادرينا بشكل خاص، وسوف لا يليق بنا، خصوصاً وأن السقف الذى حدده الرجل، ليس فى السماء، ولا هو من بين المستحيلات، وإنما هو ممكن، وأكاد أقول إن أضعافه ممكنة، إذا ما قيست على عدد القادرين على أرض هذا الوطن، ونحن لا نحسدهم أبداً، على كل حال، وإنما فقط ندعوهم.. وندعوهم بقوة.

لا يليق بنا، وبمعنى أدق بقادرينا، أن يخذلوا وطناً أسعفته سيدة كفيفة، وقد منحها الله البصيرة، فى اللحظة التى سلبها فيها نعمة البصر.

وأتمنى على صحفنا أن تنشر بياناً يومياً تحت عنوان «قائمة الشرف» بحيث نسجل فيه، فى كل صباح، أسماء الذين سارعوا إلى مد أيديهم لبلدهم، ولم يتخلوا.. وساعتها سوف تكون قائمة كهذه نوعاً من التحريض للذى لم يمد يديه، ليمدهما، وسوف تكون أيضاً نوعاً من تسجيل الامتنان علناً للذين بادروا من قادرينا ولم ينتظروا أو يتخلفوا.

كل ما أريده من وراء الصندوق، كفكرة، أن نقول من خلاله للدنيا، وبأعلى صوت، إننا نستطيع!