الصهاينة العرب وخاصرة مرضهم

جيهان فوزي السبت 26-07-2014 22:30

كشفت المحنة الفلسطينية حجم المأساة التى وصل إليها حال العرب والصراعات القذرة التى يتبادلون أدوارها كل حسب حاجته واحتياجاته، حالة الاستقطاب الشرسة التى يعانى منها الفكر العربى وبالذات فيما يتعلق بالأحداث الجارية على الساحة الفلسطينية والدم الفلسطينى لايزال ينزف ويفترش أرض غزة، لم تشفع لسكانها بموقف عربى مشرف أو حتى خطوة إيجابية لحقن دمائهم، واستمرار قتل أطفالهم ليل نهار وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، والأخطر من ذلك هذا الفكر الدخيل وحالة التشفى والشماتة المصوبة نحو الفلسطينيين من إخوانهم أضافت معاناة أخرى وجرح جديد فى سجل معاناتهم الطويلة، إذ أخذوا غزة بذنب حماس وتعاموا عن جذر المأساة التى يعيشها أهالى غزة منذ ثمانى سنوات من الحصار والقهر والتجويع، وصبوا جام غضبهم على الفلسطينيين دون استثناء.
الإعلام يتناول القضية بمنتهى التخاذل والتشفى والجهل فيما يتعلق بالمأساة الفلسطينية الحالية، يتبارى فى كيل اللعنات على أصحاب القضية الذين صدروها إلى دول الجوار بهدف إحراجها ودحرجتها فى أحضانهم الملتهبة بالكره والتعامى عن حقيقة الأمر، وهذا فى حد ذاته مكسبا كبيرا لإسرائيل التى تراقب وتنتظر المزيد، وكأن الفلسطينيين أصبحوا خاصرة المرض العربى الذى لا بد من اجتثاثه.
الأزمة الفلسطينية كشفت عن حجم الهوة السحيقة فى الوعى بكيفية التعامل مع أزمة غزة، ولم يبق من القضية سوى اسمها والتندر على أصحابها والشماتة فى ضحاياها، ووسط هذا المناخ الملتهب بالحقد ولدت المبادرة المصرية على استحياء تحت عنوان وقف إطلاق النار لحقن الدماء، والتى كان بديهيا أن يرفضها الفلسطينيون، إذ ماذا ستقدم لهم المبادرة أكثر مما كانوا يعيشون فيه فى السابق إن لم يكن أسوأ؟.
مصر بثقلها وحجمها لم تبادر بطرح الحل الأمثل فى هذه المبادرة ولم يكن لها دور محورى فيها، خاصة أن الذى صنعها هو تونى بلير مستشار الرئيس السيسى وما أدراك ما تونى بلير؟ سيقول قائل إن هذه المبادرة تتشابه من حيث المضمون بمبادرة 2012 التى أقرها مرسى ووافقت عليها حماس، هذا صحيح غير أن موازين القوى تغيرت لم تكن حينها قوة المقاومة كما هى الآن، فقد وصلت صواريخ المقاومة إلى العمق الإسرائيلى وضربت مطار تل أبيب وهى سابقة فى تاريخ إسرائيل وضربة فى الصميم وإهانة لقوتها التى تتباهى بها لا يمكن تجاهلها، فمنذ نحو 23 عاما لم تغلق إسرائيل مطار تل أبيب وبفضل صواريخ المقاومة أغلق الآن وهز أركان الدولة الإسرائيلية، هذا بالإضافة إلى الخسائر الهائلة فى الجيش الإسرائيلى بالمقاييس النسبية معنويا وماديا، والتى لم تعلن عنها حكومة إسرائيل كعادتها فى إخفاء الحقيقة، وما يكشف الأكاذيب الإسرائيلية حول حجم الخسائر فى صفوف جيشها الذى لا يقهر اعترافات مدير مستشفى «سوروكا» وهى واحدة من 12 مستشفى يتلقى فيها جرحى الجيش الإسرائيلى العلاج حينما أكد أنه عالج 360 إصابة من الجنود فما بالنا بباقى المستشفيات وكم من جنودها قتلوا فى المعارك الدائرة ؟
إسرائيل تدمر بجنون أحياء بالكامل وتقصف المدنيين فى المخابئ التى لجأوا إليها وسقوط 15 شهيدا فى مدرسة تابعة للاونروا تشهد على جرائم حرب الإبادة التى ترتكبها فى حق المدنيين العزل، قادة إسرائيل فقدت عقلها ولم يبق لديها سوى الإمعان فى القتل والتدمير حتى تقدم أكبر عدد ممكن من الشهداء قرابين نجاة لها أمام شعبها الذى سيحاسبها على نتائج حرب الإبادة هذه، وما إذا كانت قد حققت أهدافها وهل أوقفت صواريخ المقاومة بعد كل هذا الدمار؟؟
لأول مرة يقف الرئيس محمود عباس وقفة منحازة لرغبة شعبه بعيدا عن حسابات السياسة الدولية، لأنها أفقدت الفلسطينيين الكثير من شرف المقاومة والعيش بكرامة وحرية، الرئيس أبومازن طرح مبادرة جديدة تتسق ومطالبهم العادلة التى تزيح عنهم عسف العيش وظلم الاحتلال، أبومازن لايزال حريصا على دور مصر أن تبقى كبيرة بثقلها وأن يكون لها الدور المركزى فى الحل، لكن المبادرة المصرية لا تلبى الحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين فما الحل؟
أن تبقى مصر رهينة لتسديد فواتير من وقف معها فى محنتها، أم تثبت أنها مازالت الحضن الكبير رغم المحن، فلا يجوز ولا يصح تجاهل دورها كدولة رئيسية فى خط الدفاع العربى الأول، ليس بحكم الجوار فقط ولكن لأن للدولة المصرية تاريخ وثقل عربى لا بد من الحفاظ عليه، لا يصح التعامل مع الإبادة التى يتعرض لها الفلسطينيون بمنظور ضيق يختصر كل هذا الدمار والتضحيات والشهداء بوقف إطلاق النار حقنا لدماء المزيد من الضحايا، الدمار وقع وسقوط الشهداء بات واقعا يوميا لا مفر منه والفلسطينيون لم يعد لديهم شيئا يخسروه فقد فقدوا كل شىء وحان وقت الحصاد، حصاد تضحيات ستون عاما من الاحتلال والقمع لا ينفع معها اختزال معاناة مليونى فلسطينى فى فصيل واحد هو جزء من الكل ولا يعبر عنهم بأى حال.