أفندينا عمر.. غلطة لا ورطة!

سليمان جودة الخميس 24-07-2014 21:59

الشجاعة التى تحلى بها الرئيس، عندما أعاد الموازنة العامة للدولة إلى وزارة المالية، طالباً التعديل فيها، لابد أن تكون، كخطوة، لها ما يماثلها ويوازيها على كل مستوى فى الدولة.. وإلا.. فلن يكون لها أى أثر فى حياة الناس!

ولم يكن هناك معنى لقرار إعادة الموازنة، من جانب الرئيس، سوى أنه رأى أن هناك خللاً فى بنودها، وأنه، كرئيس مسؤول عن الدولة، لا يجوز أن يسكت عن هذا الخلل، ولا أن يقرَّه، أو يضع توقيعه عليه.. ففعل!

هذا فى حد ذاته كان شيئاً جيداً للغاية، لأنه أدى إلى قرار من «المالية» بتوفير 85 مليار جنيه، كانت الدولة تبددها سنوياً، على بندين فقط من بنود موازنتها، هما بند الدعم المقدم للطاقة بأنواعها، ثم بند الأجور لموظفين لا يعملون!

غير أن هذا لم يكن التبديد الوحيد، الذى نمارسه فى كل عام، بل فى كل يوم، لأن تبديداً آخر كان قائماً، ولايزال بكل أسف، ويتمثل فى شركات القطاع العام التى تخسر المئات من الملايين مع كل طلعة شمس، وتجد الدولة نفسها مضطرة ليس إلى دفع أجور موظفيها وعمالها، وإنما تضطر أحياناً، وهذا هو المذهل فى الأمر، إلى صرف أرباح لهم فى شركات تستنزف المال العام فى كل ساعة!.. فأى جنون هذا؟!

والمعنى أنك يمكن أن تكتشف بحسبة بسيطة أن ما سعيت كحكومة إلى توفيره فى موازنتك العامة، سوف تنفقه، وبمعنى أدق تضيعه، على شركات من هذا النوع.. وربما تنفق ما هو أكثر من الـ85 ملياراً المستقطعة من الموازنة!

لم يخرج أحد على الناس، إلى اليوم، ليقول لهم بوضوح شيئاً مفيداً عن شركات قطاع الأعمال الخاسرة، وعما سوف تفعله الدولة معها، وعما إذا كانت هناك خطة جاهزة لوقف نزيف المال العام فيها عند حدوده، أم لا؟!.. لم يحدث!

وأظن أن كل مواطن اصطلى بنار الأسعار، بعد رفع دعم الطاقة مؤخراً، يريد من حكومته، ومن وزرائها المختصين، أن يضعوا أمامه إجابة شافية على هذا السؤال: كم شركة قطاع عام عندنا اليوم، وكم منها يكسب، ثم كم منها بالضبط يخسر؟!.. وما الذى سوف نفعله مع هذه الفئة الأخيرة.. هل سنعيد تنظيمها، بما يضمن وقف خسائرها بأسرع ما يمكن، أم سنعرضها للبيع، أم سنغلقها، أم ماذا على وجه التحديد؟!

إذ ليس معقولاً أن تدعو الدولة مواطنيها إلى التبرع فى صندوق «تحيا مصر» الشهير، فيجمع الصندوق خمسة مليارات فى حفل إفطار دعا إليه الرئيس، ثم يتبين لنا فى لحظة جد، أن هذا المبلغ كله، لا بعضه، لا يكفى للإنفاق على شركاتنا الخاسرة وحدها، وأنك لو قمت بتوجيهه كله، لا بعضه، إليها، فسوف تحتاج إلى ضعفه، وربما إلى ضعفيه!

مرة أخرى، وليست أخيرة، فإن الملايين من المطحونين من أفراد هذا الشعب، لن يشعروا بجدية ما يجرى اتخاذه من إجراءات، إلا إذا أحسوا ورأوا بأعينهم أن نزيف المال العام فى شركاتنا الخاسرة قد توقف تماماً، وإلا إذا قيلت لهم الحقيقة كاملة، فى هذه الشركات، بالمعلومة، وبالرقم الذى لا يكذب.

إن شركة «عمر أفندى» كانت، ولاتزال، هى المثال الأهم فى هذا السياق كله، وقد قلت عنها، طوال أيام مضت، ما يكفى ويزيد، وسوف أعود إليها وإلى مثيلاتها مراراً، لأقول إنها قد تكون غلطة نحن جميعاً مسؤولون عنها بشكل ما.. قد تكون كذلك.. فيبقى بعدها أن الاعتراف بالغلطة يوجب علينا ألا نستمر فيها، ولو ليوم واحد، وإلا تحولت إلى ورطة لتسعين مليون مصرى!