الرأسمالية المصرية.. ما كان والمتوقع

هدى جمال عبدالناصر الخميس 24-07-2014 21:57

ما أشبه اليوم بالبارحة! أقصد تقييم نظام الثورة للرأسمالية المصرية على أنها رأسمالية وطنية، وأن المستغلة منها محدودة الأثر والتأثير!

لقد قامت ثورة 23 يوليو 1952 وأهم مبادئها بعد القضاء على الاستعمار؛ هو القضاء على الإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم. إلا أن أعضاء مجلس قيادة الثورة – وكانوا جميعا من الجيش – تصوروا أنه بعد إبعاد الملك الذى تلاعب بالوزارات، يمكن تسليم الحكم لحزب الأغلبية.. أى الوفد!

وفعلا تم تعيين على ماهر رئيسا للوزراء بعد يوم من الثورة – 24 يوليو 1952 – ووقع الملك قبل رحيله على قرار بهذا. وبدأت بعد ذلك المفاوضات بين سياسيى العهد البائد وبين مجلس قيادة الثورة حول قانون تحديد الملكية الزراعية، الذى كان يهدف إلى القضاء على الإقطاع مع مرور الزمن؛ فتلك علاقات ظالمة لا يقضى عليها مجرد قانون!

ماذا كانت النتيجة؟ أن وصلت المباحثات إلى طريق مسدود، ورفض رؤساء الأحزاب جميعا الإصلاح الزراعى. فما كان من مجلس الثورة إلا أن يعزل على ماهر ويعين محمد نجيب رئيسا للوزراء فى 8 سبتمبر 1952، ثم وقع أعضاء مجلس قيادة الثورة فى اليوم التالى 9 سبتمبر- الذى أصبح فيما بعد عيدا للفلاح- قانون تحديد الملكية.. مائة فدان للفرد، وثلاثمائة فدان للأسرة. وقد حدث هذا الزلزال الاجتماعى فقط بعد أقل من سبعة أسابيع من قيام الثورة وخروج الملك فاروق من مصر.

وكان أعضاء مجلس قيادة الثورة فى ذلك الوقت يقومون بجولات فى الأقاليم يشرحون سياستهم لمختلف طوائف الشعب، محاولين جذبهم إلى الثورة فى معاركها الداخلية والخارجية، وخاصة مفاوضات الجلاء، التى بدأت بطريقة غير رسمية فى أواخر 1952.

وفى أثناء هذه الجولات، من كان يستقبل أعضاء مجلس قيادة الثورة فى بيوتهم؟ إنهم مالكو الأرض والإقطاعيون السابقون، مستكينين ومظهرين على غير الحقيقة تأييدهم للثورة!

وقد بدأ مجلس قيادة الثورة على الفور برنامجا قوميا للتنمية؛ وأنشئ مجلس الإنتاج ومجلس الخدمات، وكان على الرأسمالية المصرية – التى افترض ضباط الثورة أنها وطنية – أن تشارك فى هذا البرنامج الاقتصادى الثورى، ولكنها على العكس أحجمت عن ذلك، وظهرت المصالح الرأسمالية الأنانية على حقيقتها. واستمر هذا الصراع بين النظام والرأسمالية من 1953 – 1960، بعد البدء فى بناء السد العالى، ووضع خطة اقتصادية طموحة تهدف إلى مضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات.

وهنا حدث الصدام الحتمى، ووقّع جمال عبد الناصر قوانين يوليو الاشتراكية التى تحد من سيطرة الرأسمالية وتوفر للدولة رأس المال الذى تحتاجه خطة التنمية.

كانت هذه ضربة موجعة بعد تآمر ومناورات على الثورة من جانب الرأسمالية المستغلة، التى كانت أيضا تتصل بأعداء النظام بهدف إسقاطه! ولكن هل استكانت الرأسمالية المصرية؟! بالطبع لا.. فلقد استغلت مؤامرة انفصال سوريا عن مصر فى 28 سبتمبر 1961، واعتقدت أن النظام قد انتهى! وبدأ يتجدد نشاطها مرة أخرى من أجل إسقاطه.

وهنا أعلن جمال عبدالناصر بدء ثورة جديدة؛ سياسية واقتصادية واجتماعية، وإنشاء تنظيم سياسى جديد؛ هو الاتحاد الاشتراكى العربى، وكان يجمع ما بين الطليعة التى تقود – الطليعة الاشتراكية – وبين التنظيم الشعبى الذى يصل الى كل المصريين بطبقاتهم وفئاتهم المختلفة.

وأول مرة يعلن جمال عبدالناصر.. «الحرية كل الحرية للشعب، ولا حرية لأعداء الشعب».

وحدد.. من هو الشعب؟ العمال والفلاحون والمثقفون والجنود والرأسمالية الوطنية. أى أنه دعا للمشاركة الوطنية جانبا من الرأسمالية المصرية، افترض فيه الحفاظ على مصلحة الوطن. وكان أكثر وضوحا عندما قال: إن الرأسمالية لا تقتصر فقط على كبار الرأسماليين بل تضم قطاعا عريضا من صغار الرأسماليين والحرفيين؛ ينبغى ضمهم إلى العمل الوطنى. وفى المقابل، حدد جمال عبدالناصر أعداء الشعب؛ وهم بقايا الإقطاع والرأسماليون المستغلون الفاسدون.

ولكن هؤلاء لم ييأسوا! وانتهزوا فرصة عدوان 5 يونيو 1967 وهزيمة الجيش المصرى، وتكتلوا مرة أخرى لإسقاط النظام. ولكن تماسك الشعب فى مواجهة هذه المحنة القاسية، والدور الهام الذى لعبه الاتحاد الاشتراكى وتنظيمه الطليعى فى تعبئة الشعب خلال حرب الاستنزاف، التى دامت لأكثر من ثلاث سنوات ونصف؛ كل هذا صان الجبهة الوطنية، ووقف أمام المؤامرات الداخلية والخارجية.

ولم تيأس الرأسمالية المستغلة المصرية، فاندفعت بعد وصول الرئيس السادات إلى الحكم، وبدأت تتبوأ مراكزها القديمة، فأحاطته من كل جانب، وازدهر فى عهده أسوأ أنواع سوء توزيع الثروة والفساد واستغلال النفوذ، وظهرت نماذج رأسمالية مكروهة خالفت القانون وتحايلت لجمع ثرواتها.

واستمر نفس النهج فى عهد مبارك، وضج الشعب من التفاوت فى الدخول، والفقر الذى ناله نتيجة تركيز الثروات فى أيد محدودة العدد، استغلت الفساد لتحقيق ثروات خيالية على حساب الشعب!

والآن.. وبعد ثورة 30 يونيو ووصول الرئيس السيسى إلى السلطة بناء على ضغط الشعب، هل ستتكرر المأساة؟!

لا.. بل لابد من أن نعى الدروس المستفادة من تاريخنا المعاصر ومن تاريخ الدول التى سبقتنا فى الثورة. ولا أعنى بذلك أن نطبق الحلول الماضية أو نقتبس حلولا من الدول الأخرى، بل لابد من أن تنبع خطواتنا المستقبلة من حاضرنا، ولا نغفل فى نفس الوقت الأمثلة القاسية من تاريخنا. وأقترح البدء بالطريق السلمى؛ وذلك بأن تشكل لجنة من الاقتصاديين والقانونيين، تحدد المبلغ الذى تحتاجه الدولة من أجل الاستثمار فى الخطة الاقتصادية. وأن تقوم بفرض إجراءات قانونية على أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة؛ لتوفير هذا المبلغ.

هنا ستعلو الأصوات عن إحجام رأس المال عن الاستثمار إذا تم اتخاذ هذه الإجراءات! وأين هو رأس المال هذا؟! إن ثورة 23 يوليو انتظرت أكثر من سبع سنوات لكى يبادر الرأسماليون المصريون بالمشاركة فى الاستثمارات التى حددتها الخطة.. بلا مجيب!

لقد أطلق الرئيس السيسى مبادرة «تحيا مصر»، وتقدم بالتنازل عن نصف مرتبه ونصف ثروته من أجل مصر، حتى يكون قدوة للمواطنين. ولنبحث سويا من الذى سيحاكى الرئيس السيسى؟ الطبقة الفقيرة لا تجد قوت يومها، وهم أكثر من 41٪ من الشعب المصرى!

والطبقة الوسطى التى تم اكتساحها فى عهد مبارك، هى غير قادرة على التخلى عن أى جزء من دخلها، وهى تطلب الإعانة، فى التعليم والعلاج والسكن.. الخ. تبقى الطبقة الرأسمالية، وهى التى تملك المليارات من ثروة مصر، إنها لن تشارك إلا بالفتات لذر الرماد فى العيون!

وهكذا سيتأخر برنامج مصر الاقتصادى، وسيضطر النظام إلى الاعتماد على القروض الدولية، وهى سلاح بحدين!

إن الصدام مع الرأسمالية المستغلة سيحدث لا محالة، والدولة أقوى؛ فممتلكاتهم رهينة فى يد الشعب، إذا لم يقوموا بدورهم الفعال فى الاستثمار الوطنى، فلا مناصة من اتخاذ الإجراءات العنيفة.. وأذكرهم بالماضى القريب!