التفاصيل الدقيقة فى قائمة شهدائنا فى الوادى الجديد تظل مهمة للغاية، ولابد أن نتوقف أمامها طويلاً، وألا ننساها أبداً، وأن نظل نذكرها دوماً، ونضعها أمام الناس، لعل الذى لم يأخذ باله منها يلتفت إليها كما يجب، وبكل قوة.
من بين هذه التفاصيل، مثلاً، أننى عندما رحت أستعرض أسماء القائمة، لاحظت أن المجند أندرو ألبير سقط برصاص الغدر إلى جوار المجند أحمد عبدالحميد، وأن دماء المجند بطرس صابر اختلطت، فى لحظة الموت، بدماء زميله المجند محمد مصطفى، وأن روح المجند مينا رسمى تعانقت مع روح المجند محمود سلامة، فى ساعة صعودهما معاً إلى السماء!
إننى أكره دائماً أن أسأل عن ديانة أى أحد، بوجه عام، وعن ديانة أى مصرى بوجه خاص، ولم تشغلنى مسألة كهذه فى أى وقت، وكنت، ومازلت، وسوف أبقى بإذن الله، أراها أمراً يخص الإنسان وحده، ولا يجوز أن يسأله عنه سوى ربه الذى خلقه على الأرض، فلا يضايقنى شىء بمثل ما يضايقنى أن أسمع شخصاً يسأل عن فلان من الناس، وعما إذا مسلماً أو مسيحياً!.. ساعتها أشعر بإهانة لى، قبل أن تكون للشخص المقصود.
إننى أراها سخافة بلا حدود أن تسأل أنت عن ديانة هذا، أو ذاك، بيننا، وأشعر أيضاً فى قرارة نفسى بأن السؤال فى حد ذاته معناه، عندئذ، أن تعاملك مع هذا، أو ذاك، سوف يتوقف من حيث طبيعته على نوع ديانة أى منهما، وهو ما لا يليق بالإنسان، من حيث هو إنسان، كما أنه لا يليق بأى مصرى حقيقى يدرك تماماً أن مصريته تعلو دائماً، إذا ما تكلمنا عن الانتماء لهذا البلد العظيم، ولا يعلو عليها شىء.. أى شىء!
إلا فى هذه النقطة التى نتحدث فيها عمَنْ سقطوا فداء لهذا الوطن، فى الوادى الجديد.. ففيها بالذات لابد أن يفهم الذين نفذوا الحادث، والذين يقفون وراءه، والذين مولوه، والذين.. والذين.. إلى آخر قائمتهم، ثم نفهم نحن قبلهم، وقبل أى طرف على الأرض، أن هذه الحالة من التلازم فى الحياة، وفى الموت، بين أندرو وأحمد، وبين بطرس ومحمد، ثم بين مينا ومحمود، إنما تنطوى على معنى عميق، وتقوم على مضمون بعيد، ولا تنشأ من فراغ، وتبعث، والحال هكذا، برسالة إلى الذين خططوا للحادث، ونفذوه بدماء باردة، أنهم وجهوا رصاصاتهم إلى جبل راسخ يتشكل فى جوهره، وفى أصله، وفى صميمه، من كل هؤلاء الذين ذكرت أنا أسماءهم، ومن غيرهم ممَن لايزالون ينتظرون دورهم فى صد أى أذى عن وطن عاشوا له، وسوف يموتون من أجله بأى ثمن.
هذه الأسماء الستة، التى ذكرتها حالاً، والتى هى مجرد مثال، سوف تجعل الذين خططوا للحادث، ونفذوه، ومن قبل مولوه، يشعرون فى أعماقهم بأن الرصاصات التى أطلقوها هناك قد طاشت فى الهواء، أو أنها قد واجهت، حين انطلقت، صخرات صلدة، فارتدت إلى حيث جاءت، ولم يكن لها أثر.. أى أثر!
ألبير وأحمد، وبطرس ومحمد، ومينا ومحمود هم «روح» مصر التى تتلقى ضربات من نوع ضربات حادث الوادى، فتسخر وهى واقفة على قدميها بثبات منها، ومن سذاجة وجهل أصحابها!