كنافة بالمانجو

أيمن الجندي الثلاثاء 22-07-2014 21:49

دخلت رنا إلى المطبخ. ومضت ترص مكونات الحلوى التى تعتزم إعدادها. وصفة الكنافة بالمانجو التى أخذتها أمس من صديقتها منى، صديقة العمر وزميلة الجامعة ورفيقة النزهات المسائية والأحلام الخجولة. لكنها اليوم صارت أماً بمعنى الكلمة، منذ أن أنجبت وهى لا تهتم إلا بالطهى وطرق تربية الأطفال وتنسيق المنزل. توارت شخصيتها الأصلية خلف شخصية الزوجة والأم. وهذا ما لا تريده أن يحدث لها بالمرة.

هزت رنا رأسها وكأنها تنفض الأفكار المحمومة من رأسها. من أجل أن تهرب من هذه الأفكار. قررت أن تعد الحلوى. كنافة، سكر بودرة، سمن بلدى، كريمة مخفوقة، شرائح مانجو. ابتسمت رنا وهى تفكر أن المكونات كلها لذيذة، فأين البطولة فى أن تصبح الكنافة شهية!

وضعت رنا الكنافة فى الصينية وأضافت السكر البودرة والسمن البلدى. وراحت تمزجها بيدها الرقيقة. يدها التى لم تزل يتقاطر العرسان لطلبها، رغم بلوغها الثلاثين من عمرها. احتقن وجهها الجميل وهى تتذكر. ضغوط الأهل والمجتمع عندما تأخر زواجها. لا أحد يرحمها أو يتلطف فى ذكر هذا الموضوع الحساس. حتى صلاة التراويح كفت عن الذهاب إليها، بعد أن صارت النساء يتلقفنها بالعرسان بمجرد أن يعرفن أنها عازبة.

أشعلت رنا الفرن. الجو حار ولا يكاد يُطاق أصلا. أحمر وجهها الجميل ومسحت دمعة فرت من عينيها. الكل يلومها ويتهمها أنها ترفض النعمة! هى لا تستطيع أن تتزوج لمجرد الزواج! لا تستطيع أن تتزوج شابا لا تحبه لمجرد أنه عريس لا يُرفض! أو لأنها سنة الحياة والطريقة المشروعة لإنجاب أطفال. لا بد أن تحبه أولا. أن تؤلف الكيمياء المجهولة بينهما.

aymanguindy@yahoo.com

ورن حديثها مع منى فى الليلة السابقة. كانت تحدثها بحماس شديد عن مزايا العريس الذى تقدم عن طريقها. أولا هو أخو زوجها وهذا معناه أنهما ستجمعهما عائلة واحدة كما جمعتهما صداقة العمر. ثانيا أهله طيبون. نادرا ما نلاقى ناساً طيبين فى هذا الزمان يا رنا.

فاحت رائحة الكنافة الناضجة فى المطبخ. لبست رنا قفازاً سميكاً ثم أخرجت الصنية بحرص. وضعت الكريمة فى دوائر حول الكنافة. رصت شرائح المانجو على الكريمة. ثم أضافت طبقة أخرى من الكنافة. ثم عادت تضيف الكريم والمانجو. تبدو شهية جداً. لا تستطيع أن تنتظر حتى موعد الإفطار، برغم أنها فى العادة لا تأكل إلا القليل! وسمعت صديقتها تقول بوضوح! العريس غنى ووسيم وناجح فى عمله. أرجوك يا رنا لا تؤاخذينى. ولكنها معجزة أن يتقدم لك عريس بهذه المواصفات وأنت فى الثلاثين من عمرك.

ابتسمت رنا بتسامح وهى تنقل الصنية إلى المائدة:” أعرف يا منى أنك تودين صالحى. دعينى أفكر”.

جلست رنا على مائدة الإفطار وعائلتها كلها ترقبها فى ترقب. وعدتهم أن تصلى صلاة استخارة وتفكر. كلهم الآن ينتظرون ردها. ارتفع الأذان واقتطعت رنا قطعة صغيرة لاكتها فى بطء. وسرعان ما بدا الوجوم عليها. غريب جداً. الطعم غير مستساغ برغم أن الكنافة لذيذة على حدة، والمانجو فاكهتها المفضلة. ولكن حين غابت الكيمياء لم يصنعا شيئا جيدا حينما اجتمعا معاً.

وأحست رنا أنها رسالة السماء إليها. رد صلاة الاستخارة التى صلتها البارحة. ابتسمت وقالت فى هدوء: «متأسفة ولكنى لا أستطيع الزواج برجل لا توجد كيمياء بيننا. هو شخص جيد ولكن ليس لى. وإنما لامرأة أخرى تحبه».