مات المرابطون.. مأساة الفرافرة

الدكتور مصطفى النجار الإثنين 21-07-2014 22:13

الإسكندرية والقليوبية والمنيا وسوهاج وقنا وأسيوط وأسوان.. سبع محافظات مصرية ودّعت أبناءها الشهداء الذين ارتقوا شهداء في مجزرة الفرافرة، شباب كالزهور، أكبرهم في الأربعين وأصغرهم من مواليد التسعينيات، 22 أسرة مصرية عاد أبناؤها إليهم في توابيت الموت، كابوس دامٍ لا نستطيع استيعابه، ننظر في صورهم ونبكى، نتخيل كل واحد منهم ابنا أو شقيقا أو صديقا، فتغلبنا حرقة القلب والوجع المزلزل الذي يحاصر المرء أينما ذهب.

نهر الدماء لا يتوقف، ودموع الحزن تنهمر ونحن نشعر بالعجز، مات المرابطون الذين يحمون الثغور ويقفون منتصبين لا ترى عيونهم النوم من أجل حماية شعبهم وأهلهم، مات من يعيشون وسط الصحراء بعيدا عن أي ملامح للحياة فيتحملون حرها ويجتنبون لدغات أفاعيها ووحوشها، لكنهم لم يتخيلوا أن تأتيهم اللدغة من البشر، وأى وحوش قتلة هؤلاء كى نصفهم بالبشر؟

هل نعرف كيف يعيش هؤلاء المرابطون على حدودنا؟ هل نعرف مشقتهم وعناءهم؟ هل نعرف إحساسهم الدائم بالخطر؟ هل ندرك ما معنى أن يعيش إنسان ينتظر الموت كل لحظة من أجل أن يهب للآخرين الحياة؟

طوبى لمن يمنح الناس الحياة، وبؤسا وسحقا لمن يمنحهم الموت، طوبى لمن يحمل السلاح ليحمى شعبه، وعار على من يحمل السلاح ليقتل شعبه، هذه ليست حادثة عادية، هذه حرب إبادة شنها مأجورون، خائنون لله والوطن، ومجردون من كل معانى الإنسانية، لا نريد الشجب والإدانة والوعيد بلا فعل، لا نريد التصريحات النارية التي لا يعقبها شىء، فقد سمعناها قبل ذلك وتكررت بعدها مآس وكوارث مثل هذه الفجيعة التي ألمت بنا.

نريد أن يخرج المسؤولون ويقولون لنا من أين أتى هؤلاء؟ هل تسللوا من ليبيا أم السودان أم هبطوا علينا من الجبال؟ كيف تحركوا كل هذه المسافة وهم يحملون أنواعا مختلفة من الأسلحة تشبه مستوى تسليح الجيوش؟! لقد قالت وسائل الإعلام إن المجموعة التي هاجمت جنودنا قصفت الموقع بقذائف هاون وراجمات صواريخ وقذائف مضادة للدروع.. فهل صار الحصول على هذه الأسلحة سهلا ومتاحا لهذه الدرجة؟ قاوم أبطالنا هؤلاء القاتلين بكل ما يستطيعون من بسالة وجسارة ولكن لم تتساوَ الكفتان، لأن القتلة أكثر سلاحا وعتادا ومباغتة.

مأساة مذبحة الفرافرة تؤكد أننا في حرب لا تحتمل الكلام، ولن ننتصر فيها إلا إذا قوّمنا أخطاءنا، ووحّدنا الجبهة الداخلية، وسلكنا المنهج العلمى، وأخذنا كل الاحتياطات التي تمنح شعبنا ومن يحمونه من أبنائه الأمان، لا نريد لأبواق الحمق أن تحول مثل هذه الحوادث إلى نداء لقمع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخلط الحابل بالنابل تحت دعوى محاربة الإرهاب، نعم.. علينا أن نحارب الإرهاب ونجتثه من جذوره، علينا أن ننتصر في هذه الحرب مهما كان الثمن، ولكن لن ننتصر إلا بالعلم وتطبيق القانون، تعالوا نوحد شعبنا الذي مزقته مرارات السياسة وصراعاتها، تعالوا نرسل لكل القتلة رسالة مفادها أننا نختلف من أجل الوطن لكننا لا نختلف على الوطن، اللهم صبّر قلوبنا وواسِ مصابنا، اللهم احقن دماء أبنائنا، اللهم تقبل الشهداء المرابطين واجمعنا بهم.. آمين.