العاشر من رمضان تحويشة العمر فى مهب الريح

كتب: هبة عبد الحميد, محمد طارق السبت 19-07-2014 21:55

حين تطأ قدماك المنطقة التى يقع فيها مشروع «ابنى بيتك» فى مدينة العاشر من رمضان تشعر وكأنك فى مكان هجره سكانه، فطنين الرياح يشعرك بالرهبة والخوف والطرق غير الممهدة تجعلك تشك فى وجود كائن يعيش فى هذه المنطقة، وحين تتوغل قليلاً وتشاهد أعمدة الإنارة فى الشوارع بأسلاكها الممتدة والمتشابكة تظن أن ثمة ضوء، لكنك ما تلبث أن تكتشف أنها ليست سوى وهم كبير إذ إنها لا يوجد بها كشافات للإنارة، لأن الكهرباء لم تصل إليها بعد.

كل ذلك يفسر لماذا تظهر لك صفحات كلها إعلانات بيع للمنازل كلما تحرك «جوجل» للبحث عن كلمة مشروع ابنى بيتك بمدينة العاشر من رمضان، وذلك يعود لانعدام المرافق والخدمات فى المشروع، رغم الوعود الكثيرة التى كان آخرها وعد المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، حين كان وزيرًا للإسكان، بدخول المرافق إلى المشروع قبل 30 يونيو الماضى، ولكن لم يحدث أى شىء حتى الآن.

ينقسم مشروع ابنى بيتك فى مدينة العاشر من رمضان إلى ثلاثة أحياء، هى العاشر والثانى عشر والرابع عشر، وجميعها تختلف فى توزيعها الجغرافى لكنها تتفق فى أوجاعها ومشاكلها من نقص فى المرافق والخدمات الأساسية والصحية وانعدام للأمن، لدرجة جعلت سكانه يشعرون بالندم على الوثوق بمشروعات الدولة التى اعتبروها حلمًا جميلاً ولكنها صدمتهم فى تنفيذها على أرض الواقع.

لافته كبيرة مكتوب عليها مشروع ابنى بيتك فى الحى الثانى عشر، تجذب انتباهك أثناء مرورك بالطريق الرئيسى المؤدى إلى وسط المدينة، تنتصب أمام عمارات مبهجة تجعلك تشك للحظات فى أنها تابعة للمشروع، لكنك سرعان ما ترى فى الخلف منازل متشابهة اللون مختلفة الارتفاعات تمثل مساكن الحى الثانى عشر بالمشروع، حيث يعيش عشرى عبد العزيز، 60 عاما، وأسرته المكونة من 8 أفراد فى منزل مكون من طابقين، تسلمه منذ عامين ونصف بعد أن أنهى تجهيز الطابق الأول، لكن معاناته لم تنتهِ بل كانت قد بدأت لتوها.

يقول عشرى إنه شعر بالندم بسبب هذا المشروع: «ندمت ندم حياتى إنى حطيت كل اللى حيلتى فى بيت عايش فيه مكتوف الأيدى، فلا مرافق ولا خدمات حتى، والبيت ضيق لا يسعنى وأسرتى».

ويؤكد عشرى أنه بعد حصوله على قطعة أرض فى المشروع، اضطر للاستدانة من أجل بناء المنزل، موضحًا أن معظم سكان المنطقة فعلوا مثله واستدانوا من أجل بناء وحداتهم السكنية التى تسلموها منذ خمس سنوات، ويضيف: «اضطررت أن أبيع ميكروباص كنت أعمل عليه أنا وأبنائى من أجل بناء المنزل على أمل أن أسكن فيه، وأزوّج أبنائى معى فى نفس البيت لكن هذا لم يحدث بسبب ضيق المنزل». ويواجه عشرى وجيرانه مشكلة الكهرباء، رغم انتشار الكابلات الكهربائية فى جميع الشوارع، لكنها لم تصل للمساكن بعد، وهو ما جعلهم يلجأون إلى حلول بديلة رغم مخالفتها للقانون. يقول عشرى: «نسرق الكهرباء حتى نستطيع العيش بعد أن تقاعست الدولة عن مدها لبيوتنا»، ويضيف متعجباً أنه بالرغم من أن كابلات الكهرباء موجودة فى المنطقة إلا أنه لم يتم توصيلها حتى الآن ولاندرى ما السبب.

ويؤكد عشرى أن سرقتهم للكهرباء من الكابلات العمومية لا تكفى لحل المشكلة، لأن الكهرباء المسروقة لا تكفى لتشغيل أكثر من جهازين كهربائيين فى آن واحد.

ويختتم عشرى أنه منذ أن تم بناء المشروع فى 2009 وحتى الآن لم تدخل الكهرباء إلى البيوت.

أما ناريمان ميلاد إحدى المستفيدات من مشروع ابنى بيتك فباعت شقتها لتستفيد من قيمتها فى بناء بيتها فى المشروع بسرعة كى لا تفقده طبقا لشروط الحصول على الأرض.

تروى ناريمان حكايتها قائلة:«بدأت مشاكلنا فى مشروع ابنى بيتك بحادث نصب فى عام 2010 عندما قام أحد المقاولين بأخذ 15 ألف جنيه من زوجى ليبنى لنا الدور الأول، وبالفعل أعطيته المبلغ لكنه اختفى ولم نعثر له على أثر».

وتشرح ناريمان معاناتها فى سبيل بناء البيت والاستقرار فيه، موضحة أن زوجها اقترض من أجل بناء هذا البيت مبلغ 40 ألف جنيه من أحد البنوك بفائدة مركبة وصلت إلى 20 ألف جنيه تسدد على 4 سنوات، إضافة إلى بيع الشقة التى كانوا يسكنون فيها وانتقالهم إلى شقة أخرى بإيجار شهرى يصل إلى 350 جنيهاً.

وتختصر ناريمان كل ذلك قائلة:«وضعنا كل جنيه نملكه فى هذا المنزل والنتيجة أن زوجى الذى يعمل عاملا باليومية بات مهددًا بالسجن بسبب عجزه عن تسديد هذا القرض».

وتشير ناريمان إلى أن انعدام الأمن هى أكبر مشكلة واجهتها بعد أن سكنت فى بيتها بسبب السرقات المتكررة، تقول: «لم تنته مشاكلى عند هذا الحد، فبعد أن سكنت فى المنزل مع زوجى وأبنائى الثلاثة تعرضت إلى حادثى سرقة بسبب غياب الأمن وانتشار البلطجية فى المنطقة، حيث قاموا بكسر زجاج البلكونة وسرقوا أنبوبتى بوتاجاز وجهاز تليفزيون». وتكشف ناريمان أن محاولاتها لتأمين بيتها اصطدمت بقوانين جهاز المشروعات، حيث قامت ناريمان بغلق البلكونة بأبواب حديدية حتى لا يتمكن السارقون من كسر الأبواب الخشب مرة أخرى، لكن جهاز المشروعات لم يرض بذلك وأقام دعوى مخالفة بناء ربما تصل غرامتها إلى 40 ألف جنيه... وساعتها لو تم سأضطر إلى بيع المنزل والإقامة فى الشارع مع أسرتى.

ويختلف الحال بالنسبة لمصطفى طه، الذى يعمل فى إحدى الشركات بمدينة العاشر من رمضان، حيث لم يستطع الاستمرار فى السكن بمنازل المشروع، واضطر لمغادرتها والاستقرار فى بمنطقة أم بيومى فى شبرا الخيمة.

ويبرر مصطفى انتقاله بأن المنطقة لا تصلح لسكن الـ«بنى آدمين» وإنما للدواب فقط، مشيراً إلى أنه لن يعود لمنزله الواقع فى الحى الرابع عشر بمدينة العاشر من رمضان إلا بعد اكتمال المرافق والخدمات فى المنطقة.

ويتحدث مصطفى عن معاناتهم قائلاً: «إلى جانب عدم توصيل الكهرباء، هناك مشكلة المياه التى تم توصيلها إلى منازلنا، لكنها تنقطع بصفة مستمرة وتظل منقطعة عن المنازل بالأيام بسبب كسر مواسير الخطوط العمومية التى تسير فى شوارع الحى وتنكسر إذا ما مرت سيارة نقل فى الشارع، وبسبب عدم وجود محابس خاصة لكل خط فإن تصليح هذه المواسير يستوجب قطع المياه عن الحى».

وبدوره يتساءل سعيد إبراهيم، مدرس إعدادى وأحد سكان الحى الرابع عشر، قائلا: «كيف تقيم الدولة مشروعات كبرى بدون خدمات إلا إذا كانت مشروعات فاشلة لا تهدف لشىء سوى تحسين صورة الحكومة فى مرحلة من المراحل!».

ويؤكد سعيد أن الهدف من إنشاء هذه المشروعات هو تقليل الازدحام وتخفيف الضغط على قلب القاهرة ومساعدة الشباب فى الحصول على سكن ملائم وتوفير سبل المعيشة لهم.

ويكشف سعيد عن جانب آخر من المعاناة يتمثل فى عدم توفر المحال التجارية، والمخابز وأزمة المواصلات والنقل داخل المنطقة، يقول سعيد: «نعانى هنا من نقص المحال التجارية والتى تبيع لنا السلع التى نحتاجها بصفة يومية، حتى المركز التجارى الوحيد الذى يحتوى على أكثر من 50 محلا تجاريا مغلقا منذ 5 سنوات بسبب ارتفاع سعر الوحدات فيه، فالمحل الذى لا تتعدى مساحته 7 أمتار يباع بـ 250 ألف جنيه، وبالطبع هذا المبلغ لا يستطيع توفيره أى من سكان المنطقة، لذلك تضطر نساء المنطقة إلى الذهاب إلى السوق التجارية الكائنة بوسط المدينة بواسطة تاكسى بـ 20 جنيهاً فى المرة الواحدة. وتابع:«بالرغم من أن لدينا فى الحى 3 مخابز إلا أن مخبزاً واحدا فقط هو الذى يعمل وينتج خبزا لا يصلح للأكل، ومع ذلك يضطر السكان للوقوف بالساعات فى طوابير طويلة للحصول على 10 أرغفة فقط بالنظام الجديد حيث يعطى المسؤولون عن الفرن 10 أرغفة لكل بطاقة».

وحول المواصلات يؤكد سعيد أنه لا يوجد غير خط واحد تابع لجهاز المدينة يأتى مرة كل ساعة تقريبا، ويقف فى الشارع العمومى المسفلت الوحيد ليضع السكان بين أمرين إما أن تلحق به أو تأخذ تاكسى.


أرقام
■ مايو 2010
الإعلان عن بدء استكمال مرافق المشروع
■ أغسطس 2010
رئيس جهاز مدينة العاشر من رمضان، يقول إن انفجار مواسير المشروع يحدث بسبب سلوكيات المستفيدين الذين يقومون بكسر محابس المياه من أجل الحصول على المياه، رغم أن شركة المياه وفرتها لهم.
■ ديسمبر 2013
مجلس الوزراء يوافق على زيادة أمر الإسناد لمرافق المشروع بقيمة تقديرية 64 مليون جنيه.
■ يناير 2014
جهاز العاشر: إنهاء مرافق «ابنى بيتك» 30 يونيو المقبل.
■ يوليو 2014
لم يتم تنفيذ أى مشروعات من الخطة.