ارفعوا الحرج عن هشام رامز

سليمان جودة الجمعة 18-07-2014 22:23

أتصور أن يكون هشام رامز، محافظ البنك المركزى، قد وقع في حرج بالغ، عندما طلبت منه الدولة أن يطبق الحد الأقصى للأجور على بنوك القطاع العام، خصوصاً الأهلى، ومصر، والقاهرة.

وسبب الحرج الذي أتصوره أن الرجل سوف يجد نفسه وهو يتكلم مع الدولة بين نارين: نار أن يقول، بصراحة، إن قطاع البنوك العامة بشكل خاص لن يكون في صالحه أن نطبق عليه هذا الحد، فيُقال عن «رامز» عندئذ إنه يريد في الحقيقة ألا يطبق الحد إياه على نفسه، أو على راتبه هو، تحديداً، ثم نار أن يقبل بما تقوله الدولة وتطلبه منه دون نقاش، فيؤذى البنوك أكثر مما ينفعها!

فمحافظ البنك المركزى، كما نعرف، كان يعمل في بنوك أخرى، سواء كانت خاصة هنا في مصر أو عالمية خارجها، قبل أن يستقر في موقعه الحالى، وكان راتبه في الحالتين فيما أظن، بل فيما أنا على يقين منه، أعلى بكثير من راتبه الذي يتقاضاه محافظاً للبنك المركزى، وكذلك سائر القيادات معه، في مكانه، أو في البنوك الثلاثة بشكل عام!

والمشكلة أنك لو طبقت الحد الأقصى للأجر، كما تتصوره الحكومة، وكما حدده الرئيس، على رئيس أي بنك من رؤساء البنوك الثلاثة، أو على قياداتها الكبيرة، فسوف تكون هناك فجوة هائلة بين رواتبهم من ناحية ورواتب زملاء وأقران لهم في البنوك غير العامة من ناحية أخرى، وسوف يقع كل واحد منهم تحت إغراء ترك مكانه في البنك العام، والذهاب، بل المسارعة بالذهاب، إلى أي بنك غير عام، يعرض عليه راتباً هو بالضرورة أضعاف أضعاف ما يتقاضاه، لو طبقنا عليه الحد الأقصى، فتفقد بنوكنا العامة، حينئذ، كفاءات ومهارات هي في أشد الحاجة إليها، ليس هذا فقط، وإنما نتكلم عن كفاءات ومهارات أنفقت عليها الدولة، طوال سنوات مضت، الكثير، تدريباً وإعداداً، لتصل إلى مستواها الحالى! وما أقصده بالمستوى الحالى هو أننا صرنا إلى وضع تكسب فيه البنوك الثلاثة أرقاماً لا نكاد نصدقها ونحن نطالعها، مقارنة بما كان عليه الوضع فيها قبل سنوات معدودة على أصابع اليدين، عندما كانت تخسر الكثير، ولم تكن تحقق أي أرباح!

إننى، كما يتابع الذين يقرأون السطور المنشورة في هذا المكان، يوماً بعد يوم، ضد القطاع العام الخاسر، وضد السكوت إزاءه، أو الإبقاء عليه، ولكنى في الوقت نفسه، مع القطاع العام إذا ما كان رابحاً، وإذا ما استطاع أن يدير موارده بشكل جيد، وإذا ما استطاع أن يحقق مكاسب تزيد عاماً بعد عام.

وربما يكون هناك حل وسط، أتمنى أن تدرسه الدولة، وأن تأخذ به، وهو أن تستثنى البنوك العامة وحدها من حكاية الحد الأقصى، على أن يكون كل ما يزيد على هذا الحد، ولو كان جنيهاً واحداً، خاضعاً لضريبة تعلو، كلما علا حجم الراتب فيما فوق الحد، وأن يكون ذلك كله مرتبطاً في النهاية بقدر ما هو متحقق من أرباح في البنك.

والمعنى أن الرئيس إذا كان يريد الحد الأقصى 42 ألفاً، فليكن، وإذا كان لرئيس بنك عام أن يتقاضى- مثلاً- خمسين ألفاً أو ستين، أو سبعين، فإن الـ42 ألفاً يمكن أن تكون من حقه، مجردة، ثم تكون كل زيادة فوقها خاضعة لضريبة تتصاعد ما تصاعد الرقم، وترتبط بإجمالى ما يحققه البنك من أرباح في نهاية كل عام.

وكل ما أرجوه أن يطلب الرئيس ميزانية البنوك الثلاثة، الآن، وميزانيتها قبل ست أو سبع سنوات مثلاً، وسوف يرى عندها أنه لا وجه للمقارنة بين أرباح كبرى تتحقق حالياً، وبين خسائر كانت تتوالى من قبل، وسوف يقرر ما يراه في الصالح العام، ولا أظن أنه سوف يتمسك بتوفير عدة ملايين من رواتب رؤساء هذه البنوك وقياداتها، تطبيقاً لحد أقصى، إذا ما اكتشف أن الثمن سوف يكون في المقابل هروب قيادات بنكية أنفقنا عليها الكثير، حتى تأهلت جيداً لمواقعها!

وأظن أن على «رامز» أن يشرح الموضوع بأمانة للرئيس وللذين يعنيهم الأمر في الدولة، متخلياً عن حرج قد يجده الآن، وأجره على الله!