يظل الإمبراطور نيرون واحداً من الحكام الطغاة المجانين، الذين صاروا مضرب الأمثال في الإشارة للطغاة والمستبدين من حكام العالم، والذين أذاقوا شعوبهم ألوانا من الاضطهاد والتنكيل والإذلال، بل الإبادة الجماعية وتعاملوا مع شعوبهم باعتبارهم أعداءً لإمبراطورياتهم أو عبئا فائضا على ملكهم. ونيرون إمبراطور رومانى فطر على الوحشية والجنون، هو مولود في ٣٧م وورث الوحشية عن أمه وتوفى والده وكان لايزال طفلاً صغيراً، وتزوجت أمه، من الإمبراطور كلوديوس الذي تبنى نيرون ومنحه اسمه وزوّجه ابنته أوكتافيا. وقد تبوأ نيرون عرش روما وهو في الخامسة عشرة من عمره، بعدما دست أمه السم لزوجها الجديد كلوديوس، لكى يعتلى ابنها العرش،
وشهدت سنوات حكمه الأولى استقرارا، بفضل توجيهات معلمه «سينيكا» الذي ظل يرشده للصواب، لكن ما لبث نيرون أن قام باتباع أساليب العنف والظلم التي أذاقها لأبناء شعبه، فقتل وعذب وقهر، بل امتد بطشه لأقرب الناس إليه، فقتل أمه وأخاه ومعلمه «سينيكا»، بسبب مجموعة المنافقين والمنتفعين المحيطين به، والذين أوغروا صدره على معلمه العظيم، فعقد نيرون العزم على قتله، وعلم «سينيكا» بهذا «فأخذها من قصيره» وقتل نفسه.
كما قتل زوجته أوكتافيا، لسبب يدل على تطيره وجنونه، حيث كان يؤدى دوراً في مسرحية، وكان يمسك بيده صولجاناً فسقط من يده، وقامت زوجته بمدح أدائه في المسرحية، لكنها اعترضت على سقوط الصولجان من يده ودفعت حياتها ثمنا لهذه الملاحظة (النقدية)، ثم تعاظم ظلم واستبداد نيرون، وأذاق شعبه صنوف العذاب والاضطهاد، فضلا عن القتل غير المبرر بالجملة، ثم توج جنونه بإضرام النار في روما في مثل هذا اليوم ١٨يوليو ٦٤م، وقد دمر الحريق نحو ثلثى مدينة روما وانتشر فيها سريعا، واستمرت النيران مندلعة لمدة خمسة أيام ونصف.
وكان نيرون ينشد مقطعا قديما من ملحمة شعرية من الأدب الإغريقى تعرف باسم «إلوبرسيس» مرتديا ثيابا مسرحية، وقت كانت المدينة تحترق، ولم يكن قد بقى المزيد من الوحشية التي تثير شعبه عليه، فقد بلغت كراهية شعبه وكراهية ملوك أوروبا له مداها، عندما بدأ يحرض الشعب على الشعب ملصقا تهمة حرق روما للمسيحيين، واجتمع الناس ورجال المملكة على عزله، فتم عزله وحُكم عليه بالقتل ضرباً بالعصى، وأبى أن يُقتل بيد شعبه فقتل نفسه في ٦٨م.