تحكى الأسطورة القديمة أن «جيا» كان ابن الأرض، وكان متوسط الجسم، إلا أنه كان خارق القوة يصرع الأبطال والعمالقة ويقهرهم بمجرد أن تلامس قدماه الأرض، وفى أحد الأيام اكتشف أحد مصارعيه الخصوم سر العلاقة بينه وبين أمه الأرض، فتحداه المصارع، وهناك رفعه بعيدا عن الأرض وخنقه فى الفضاء.
ونستخلص من الأسطورة الحكمة أنه: «لا تترك رأسك يغريك بالطيران دون قدميك» فالأرض هى سر قوتك، وهذه العلاقة بين الرأس والقدم... هى كلمة السر التى يطلقها المدربون للاعبين فى المباريات الرياضية، خاصة كرة القدم فإذا ما غاب التنسيق بينهما ضاعت الفرص، وهو ما يكشف عن ارتباط الإنسان بالبيئة، فالقدمان تلتصقان بالأرض، بينما تستسلم الرأس للغواية، وهو ما شاهدناه خلال المباراة الغريبة، والمثيرة بين البرازيل وألمانيا فى موقعة كروية أضحت فضيحة لم يتخيلها أحد للفريق البرازيلى الذى سقط من صهوة الأحلام.
صدمة الملايين من عشاق السامبا سببها أن البرازيل كانت تمثل أسطورة كرة القدم العالمية، فى الأداء، والمهارة، واللعب النظيف، لكنها لم تظهر فى العديد من المباريات الأخيرة بالمظهر اللائق الذى يؤهلها للفوز باللقب، رغم التاريخ والأرض والجماهير الغفيرة زحفت خلف فريقها، لتخرج فى النهاية غاضبة مذهولة، لا تصدق ما حدث لفريقها الذى سقط صريعا تحت سنابك الماكينات الألمانية فى زمن قصير، وما تلى ذلك من مطالبة الجماهير بإقالة رئيسة الدولة نفسها، وتسريح الفريق، وجاءت الغضبة من الجماهير لأسباب منها أن الفريق اعتمد على لاعب واحد أو كما يطلقون عليه، اللاعب المخلّص، كما هو حال الشعوب التى تعتمد على حكم الفرد الشمولى ولأسباب أخرى ونستخلص منها.
1- المباراة كانت مواجهة بين عملاقين فى كرة القدم ينتميان لمدرستين مختلفتين، توج فيها السامبا للفوز بكأس العالم خمس مرات أعوام 85، 62، 70، 94، 2006، بينما خاضت ألمانيا الأدوار النهائية 13 مرة من أصل 20 مشاركة بعد أن حصدت اللقب أعوام 54، 74، 90 وهو ما يبين الفرق بينهما.
2- الأسطورة توضح أيضا ما عانيناه قبيل حرب أكتوبر المجيدة، العاشر من رمضان 1973 من أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، والجندى الإسرائيلى الخارق، والذى فر كالجرذان بعد الضربات الموجعة التى تلاقها فى حرب الكرامة، بسبب الإعداد والتخطيط الجيد، والإصرار على النصر، والثقة فى الله، وهو ما فتح الطريق للنصر، على أن مسلسلات هذا العام تريد أن تعيد لنا أيام النكسات النحسات قبيل الحرب، والأفلام التافهة التى تم عرضها عقب نكسة 67، فهى تغرينا بالطيران بعيدا عن عاداتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف من رقص، وجنس، ودعارة، وسكر، وعربدة، وتجارة للمخدرات، وكأننا نعيش فى مجتمع شهوانى، وكأن مصر أصبحت سوقا للمتعة، من الذى قدم بعضا من هذه المسلسلات المستفزة فى الشهر الكريم؟ ومن المسؤول عن إذاعتها؟ فى الوقت الذى خلت فيه الشاشة من أى مسلسل دينى رغم التاريخ المزهر للعرب منذ عصر النبوة، والفتوحات العظيمة مرورا بالانتصارات الكبرى، فى عين جالوت، وحطين، وصولا إلى حرب أكتوبر، فهل نحن شعب لا يحترم دينه ولغته وتاريخه وبطولاته.
3- تحديات كثيرة تمر بها بلادنا هذه الأيام لا شك ومن أصعبها التحديات الاقتصادية بعد أن عانى الشعب على مدى أكتر من 100 عام من فقر، واستعمار، وجهل رغم ومضات التنوير التى بزغت، لكنها لم تستطع اختراق العمق فى نخاع الشعب الصابر، وهو الآن يحتاج إلى قبلة الحياة من أبنائه، خاصة الأغنياء منهم بعد ثورات أكلت بعضا من أبنائها، ومنازلات لم نخرج منها حتى الآن، وكما قال الحكيم القديم.. هناك نوعان من أصحاب الثروات أحدهما من يضع ثروته فوق رأسه فتقصر قامته، والثانى من يضعها تحت قدميه فتطول قامته، نتمنى أن نشهد العديد منهم، وممن تعلو قاماتهم حبا للوطن الغالى الذى أعطى الكثير فهل من مجيب؟.