عندما تستمع إلى رئيس الوزراء أحمد نظيف يتحدث عن أداء حكومته، تشعرك كلماته وأريحيته فى الحديث بضرورة الرقص فرحاً، لأن القدر أتحفنا بمن هو مثله ليرأس حكومتنا، فالرجل «الديجيتال» فى لقائه مع لميس الحديدى أوحى لنا بنفاذ رؤيته، باستشارة ولديه فى تقييم سياساته وقرارات حكومته، لأنهما- حسب قوله- «أقرب إلى المواطن العادى».
دعنا ابتداء نتصد لمسألة سؤاله لولديه عن قرارات الحكومة، فهل، هى تتم قبل أم بعد؟ وفى الحالتين فالرجل جانبه الصواب الذى نعتقد أنه سمة أداء عام لحكومته، ولتأخذوا موضوع «الصكوك الشعبية» نموذجا للتخبط والتردى وغياب الخيال، ولنحكم على نظيف بحسن النية ونُعل من قيمة الأعذار ونتفق على أنه يستشير ولديه بعد اتخاذ القرار، بوصفهما مواطنين عاديين وليسا «مواطنين بشَرطة».
وهذا الأمر ينبغى أن نبدأ فيه بتساؤل هو: كم يجنى ولدا نظيف من المال من عملهما فى مجال التكنولوجيا حتى نحكم على كونهما من المواطنين العاديين، وقبله أين تلقيا تعليمهما ومن هم المحيطون بهما؟ ثم نتبعه بتساؤل آخر يرتبط برؤية نظيف للمواطن العادى والمعايير الحاكمة لنظرته إلى شرائح المجتمع المصرى.
وإذا حاولنا الإجابة عن السؤالين الأولين فإن قراءة بسيطة فى صفحة «فيس بوك» الخاصة بجروب «عشاق الدكتور أحمد نظيف» ستمنحك المعرفة وستعرف من هم أصدقاء ولدى رئيس الوزراء فالخلفيات روتارى وليونز وشركات متعددة الجنسيات ومؤسسات عملاقة، وبنظرة أخرى إلى صفحة زوجته على نفس الموقع ستتأكد تماما أن حديث نظيف عن ولديه كمواطنين عاديين هو حديث يماثل حكى ألف ليلة وليلة وخيالات «دون كيشوت»،
ويقودنا الأمر بدوره إلى رؤية نظيف نفسه للمواطن العادى، فالخلل هو نصيبها ونعتقد أنها تتلخص عند نظيف فى أن يعمل المواطن فى شركة متعددة الجنسيات ويقبض بالدولار ويسكن فى منتجع على الطريق الصحراوى ويملك سيارة حديثة ويقضى الصيف فى مارينا، ويرتحل إلى أوروبا لزوم «الشوبنج» والاسترخاء.
ومن المرجح أن المفاهيم اختلطت لدى رئيس الوزراء الذى يكره التلفظ بكلمة «الفقراء» عند الحديث عن غالبية الشعب المصرى ويطلق عليهم دلعاً «الفئات غيرالقادرة»، وهى نتيجة متوقعة لاغترابه عن شارع يغرق فى أزمات يومية ومشكلات تحيل حياته إلى شقاء وبؤس وغربة عن الوطن،
ومن ثم جاءت معظم قرارات حكومته لصالح الأغنياء، وتفنن وزير ماليته فى الجباية وفرض الضرائب، واتجه إلى اقتصاد السوق دون ضوابط أو تنظيم مع أجهزة تتحسس خطواتها فى الرقابة حتى لا تقع فى المحظور وتضر بالكبار، فأصبح المواطن تحت رحمة أفراد همهم فقط جمع المليارات يتعاملون مع الوطن كشركة تسعى فقط لجنى الأرباح دون أخلاق أو بعد اجتماعى.
ونعود إلى بيان المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، أمام البرلمان، الذى أكد فيه ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وقال فيه.. «الحكومة لم تنجح فى السيطرة على الأسعار فى السوق ولم يعد أغلب المواطنين قادرين على مواجهة الارتفاع المتزايد فى الأسعار» فهل ولدا نظيف غير قادرين على الارتفاع الفاحش فى الأسعار، ويعانيان مثل أغلب المصريين من تدبير احتياجاتهما الحياتية ويلجآون إلى الاقتراض وشراء السلع بالتقسيط مرة وبـ«الحرق» مرة أخرى ويخترعان أساليب للتحايل على الغلاء وتدفعهم الحاجة إلى شراء هياكل الفراخ وعظام الماشية ليذوقا اللحوم والدواجن.
هؤلاء هم الشريحة الأكبر من المصريين بعيدا عن معايير سيادته المتعلقة بالملايين الذين يستخدمون الإنترنت، ويملكون التليفونات المحمولة.
لا أطلب من الدكتور نظيف وولديه أن يكونوا فقراء ليشعروا بالمصريين، ولكن أرجو منه أن يراجع كلماته، وألا يكون مستفزا لجموع المصريين الذين يعيشون فى دنيا غير دنياه، وهنا تحضرنى قصة الأب الذى أراد أن يعلم ابنه فقال له: إذا أردت أن تتكلم بشىء فاعرضه على عقلك، وفكر فيه بجهدك، حتى تقومه ثم أخرج الكلمة مقومة، فبينما هما جالسان فى أحد أيام الشتاء والنار تتقد وقعت شرارة على ملابس الأب وهو غافل والابن يراه،
فسكت ساعة يفكر ثم قال: يا أبت أريد أن أقول شيئاً فتأذن لى فيه؟ قال أبوه: إن حقاً فتكلم، قال: أراه حقاً، فقال: قل، قال: إنى أرى شيئاً أحمر، فقال الأب: وما هو؟ قال: شرارة وقعت فى جبتك، فنظر الأب إلى جبته وقد احترقت منها قطعة، فقال للابن: لِمَ لَمْ تعلمنى سريعاً؟ قال: فكرت فيه كما أمرتنى، ثم قومت الكلام وتكلمت فيه، فحلف أبوه بالطلاق ألا يعلمه أبداً من فرط حماقته.