ياسر أيوب يكتب : نيلسون مانديلا

الأحد 13-06-2010 00:00

إنها إرادة الله ومشيئته.. فتأتى لحظة افتتاح مونديال جنوب أفريقيا، أمس الأول، ويغيب نيلسون مانديلا، الذى لولاه ما تحقق هذا الحلم أبدا، بحسب شهادة بلاتر، رئيس الفيفا، التى قالها لمانديلا منذ ستة أعوام، عقب إعلان فوز جنوب أفريقيا بأول مونديال فى أفريقيا.. فلم يستطع مانديلا حضور الافتتاح وهو حزين لموت حفيدته زينانى.. فقد جاء وقت الفرحة، بينما القلب مكسور ومسكون بالوجع..

ولكن غياب مانديلا عن الحفل لم يعن مطلقا أن ينسى العالم كله هذا الرجل العظيم.. بلاده لن تنسى أنها لم تكن لتنجح أبدا لولا مانديلا.. والعالم كله لن ينسى إيمان مانديلا واقتناعه بكرة القدم كأكبر وأعمق وأهم من أن تبقى مجرد لعبة..

وأنه يبقى أهم وأشهر وأكبر قائد وسياسى فى التاريخ يمنح اللعبة مثل هذا الشرف الرفيع.. سياسيون آخرون اهتموا بالكرة لمصالح ودعاية شخصية أو لكسب حروب أو انتخابات.. وحده مانديلا الذى أراد الكرة دعوة للحب وللتسامح والانتماء وإزالة كل أسوار الغضب والكراهية والشر والدم.. ومن أجل هذا حارب مانديلا وطاف العالم كله داعيا الجميع للوقوف معه لتفوز بلاده بهذا المونديال.

أقول هذا الآن وأنا لا أنسى أبدا أن مصر كانت طرفا فى هذا السباق وكانت تريد وتحتاج نفس المونديال.. لكن مصر لم تكن فى سباق مع مانديلا.. فقط تسابقت مع جنوب أفريقيا والمغرب وتونس وليبيا.. أما مانديلا فكان وحده لا ينافس أحدا ولا ينافسه أحد..

ولا كان يريد المونديال للأسباب التى دعت هذه البلدان كلها للنزول للبحر الصاخب بما فيها مصر.. البلدان كانت تريد الاقتصاد والتنمية والسياحة والأضواء ومتعة الكرة بأقدام العمالقة والنجوم فى ملاعبها ومانديلا كان يريد ما لا تقدر عليه فى عالم اليوم إلا كرة القدم.. أن يرى وطنا واحدا للسود والبيض معا..

ومثلما جمع مانديلا منذ خمس سنوات كل السود فى بلاده لتشجيع منتخب من البيض فى كأس الرجبى.. فهو يريد من كل البيض فى بلاده الآن تشجيع منتخب معظمه من السود فى كأس للكرة.. وإذا كانت حكايته مع الرجبى قد تحولت إلى فيلم سينمائى أخرجه كلينت إيستود تحية اعتزاز وتقدير من هوليوود لمانديلا..

فإن حكايته مع الكرة ستصبح بعد هذا المونديال درسا للجميع.. الذين آمنوا بالكرة والذين كفروا بها.. من احترمها هى وقدرتها ودورها ومن احتقرها وسخر من اهتمام الناس بها.. فهذا البطل الأسطورى الذى قضى سبع وعشرين سنة سجينا من أجل حرية بلاده.. حكى لأنطونى سامبسون، كاتب سيرته الذاتية، كيف كانت الكرة هى وسيلة الترفيه الوحيدة عن المساجين.. كيف كانت غالبا بديلا وحيدا للحرية والحب وكل الأحلام المؤجلة.. حكى مانديلا أيضا عن الكرة فى بداياته مع قسوة اليتم والفقر واضطهاد اللون الأسود..

ولهذا لم يبالغ زوما، رئيس جنوب أفريقيا، حين قال إن فرحة بلاده باستضافة المونديال هى نفس فرحتها بخروج مانديلا من السجن قبل عشرين عاما.. وعلى الرغم من أننى لا أحب بلاتر فإننى احترمته جدا حين أكد أن مانديلا.. ابن الثانية والتسعين عاما.. هو البطل والنجم.. وأنه ليس مونديال جنوب أفريقيا.. لكنه مونديال الحب والسلام والأحلام ونيلسون مانديلا.. حتى وإن اضطر للغياب عن الافتتاح وأولى المباريات.

yayoub@gmail.com