وزير التخطيط: نحتاج لـ«ثورة تشريعية».. والحكومة لا تهدف إلى «خنق» المواطن (حوار)

كتب: رانيا بدوي الثلاثاء 08-07-2014 08:03

قال الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط، إن الحكومة الحالية لا تهدف إلى «خنق» المواطن، وإن الإجراءات الأخيرة بتخفيض قيمة الدعم المقدم للمواد البترولية هي الحل، وإن الظروف التي تمر بها البلاد تتطلب حلولا صعبة لا بديل عنها، منوها إلى أن التشريعات العقيمة أحد أسباب ضعف الاستثمار، وأن مصر تحتاج إلى ثورة تشريع.

وأضاف «العربى» في حواره مع «المصرى اليوم» أن هناك إرادة سياسية واضحة ورغبة في الإسراع بالتنمية والتطوير والخروج من دائرة البيروقراطية، لافتا إلى أن مؤتمر «أصدقاء مصر»، الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، يعد خارطة طريق، ويضع رؤية للاستثمار، وأن مصر مقبلة على دعم دولى كبير لا يتمثل في منح وهبات وإنما استثمارات وقروض ميسرة للغاية.

وأكد «العربى» أنه لابد من تغيير قانون المناقصات والمزايدات، لأنه بات غير قادر على مجابهة التحديات التي تواجه البلاد، وأن اقتصاد البلاد لن يتحرك للأمام بـ«التبرعات»، مشيرا إلى أن هناك خللا في التعامل مع أصول الدولة، ولابد من معالجته.. وإلى نص الحوار:

■ هل يوجد في مصر «تخطيط»؟
- ابتسم قائلا: نعم ولدينا خطط أعدها علماء وأساتذة عظام لو نفذت لنهضت مصر وقامت من كبوتها، نحن لن نخترع العجلة ولن نضيف جديدا، المشاكل معروفة والحلول أيضا معروفة.
■ كثرت الخطط والاستراتيجيات، مصر 2030 ومصر 2050، والمحصلة أن مصر تعود إلى الوراء؟
- مصر علّمت العالم الخطط والاستراتيجيات، ولدينا فعلا خطط واستراتيجيات لـ 2030 وعام 2050 وغيرها وكلها فائقة الجودة، لكن آليات التنفيذ والظروف التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية لم تمكن أحدا من التنفيذ، ورأينا في الوزارة الجديدة أن نضيف كلمة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، أي نخطط ونقيم ونحاسب ونتابع تنفيذ الخطط حتى لا تظل حبرا على ورق، وعندما وضعنا الخطة العاجلة في حكومة الدكتور حازم الببلاوى وتم تخصيص 30 مليار جنيه إضافية للمشروعات حرصت على نشر الخطة تفصيلا لأول مرة في تاريخ مصر بجدول زمنى محدد على موقع وزارة التخطيط لكى يتابع المواطن والإعلام ما تم تنفيذه.
■ تقول إن ظروف البلد كانت تحول دون تنفيذ بعض الخطط فهل الأمر الآن مختلف؟
- نعم هناك إرادة سياسية واضحة ورغبة في الإسراع بالتنمية والتطوير والخروج خارج دائرة البيروقراطية، هذه الأجواء تجعل التنفيذ أسهل.
■ لكن كان يمكن للحكومات السابقة وفى ظل الأوقات الصعبة أن تعمل على إنهاء ملف التحكيم الدولى، خاصة أنه لن تنطبق عليه حجة الوضع الأمنى والوضع الاقتصادى؟
- في الفترة المقبلة سيكون هناك تركيز كامل على قضايا التحكيم الدولى، ونعمل الآن مع المستثمرين لفض المنازعات وديا والعمل على إقناعهم بالتنازل عن قضايا التحكيم الدولى في القضايا التي يعد موقف مصر فيها ضعيفا ولن نقترب من القضايا التي نعلم أن موقفنا فيها قوى، أعرف أننا تأخرنا كثيرا في هذا الملف لكن لا أحد يمكن أن يتخيل صعوبة الموقف الذي مرت به مصر بعد 30 يونيو لأنه كانت هناك أشياء مخيفة تمر بها البلاد. لقد تخلفنا عن ركب التنمية ولن نحقق شيئا إلا بتحقيق قفزات.
■ لن تحقق قفزات طالما لا يوجد تطمينات للمستثمرين.. فماذا قدمت لهم؟
- حتى لا نجلد أنفسنا يجب ألا ننكر أن هناك تحسنا على الصعيدين الأمنى والسياسى في مصر، ما ينعكس على الاستثمار، أما بالنسبة للخريطة الاستثمارية فلدينا خريطة بالفعل منذ أيام حكومة الببلاوى، وتم عمل المؤتمر المصرى الخليجى للاستثمار، حيث قدمنا فيه 60 مشروعا كبيرا في قطاعات النقل والاتصالات والكهرباء والإسكان وهذه المشاريع مدروسة دراسات أولية ولاقت إعجاب المستثمرين آنذاك.
■ لكن لا أحد تقدم للاستثمار في هذه المشروعات.. وأنت تعلم أن العبرة دائما بالنتائج؟
- سوف نرى ما الذي تم استغلاله وما الذي لم يستغل لنطرحه من جديد في المؤتمر الدولى لدعم مصر، الذي أعتقد أن نتائجه ستكون مبهرة للجميع، لوجود رغبة حقيقية في دعم مصر، وأيضا سنطرح مشروعات خاصة بالبنية الأساسية من محطات كهرباء بالطاقة الشمسية ومشروعات تحلية مياه وطرق ونقل ومترو أنفاق وسكة حديد جديدة ونقل نهرى، ونحن عاكفون على هذا العمل، فهذا المؤتمر يعد خريطة الطريق ويضع رؤية للاستثمار، فمصر مقبلة على دعم دولى كبير لا يتمثل في منح وهبات وإنما استثمارات وقروض ميسرة للغاية.
■ كيف تتحدث عن دعوة المستثمرين للحضور في مؤتمر «أصدقاء مصر» لإقامة مشروعات، في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن توفير الطاقة للمصانع؟
- نحن نعتبر هذا المؤتمر فرصة كبيرة جدا لمصر ولن تتكرر كثيرا، لذلك يجب استغلالها بكل السبل الممكنة، والحقيقة نشكر دول الخليج على وقوفها بجانب مصر سياسيا قبل توفير الدعم المالى، وهناك تنسيق كامل مع كل أعضاء الحكومة لتوفير الطاقة واستيراد الغاز، كما أننا سنعتمد سياسة الشراكة مع القطاع الخاص في تقديم خدمات الكهرباء، إلى جانب سعى الدولة في تشجيع الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة.
■ التشريعات والقوانين من أكثر معوقات الاستثمار.. فهل هناك رؤية للتغيير والتعديل؟
- بكل تأكيد، توفير بيئة جيدة للاستثمار يحتاج للعمل أكثر على الجانبين السياسى والأمنى، وأعتقد أننا قطعنا شوطا كبيرا كما قلت، وبالفعل حدث تحسن كبير على كل المستويات، أما الجانب الآخر فهو تطوير الإطار المؤسسى والتشريعى، وأعتقد أن هناك مجموعة من التشريعات يجب أن تتغير لتصب في مصلحة المواطن، وأرى أنه من الضرورى قيام ثورة تشريعية حقيقية في مصر تشمل التشريعات التي تحكم مناخ الاستثمار بشكل عام.
■ ماذا عن أبرز التشريعات التي ترى ضرورة تعديلها وفورا؟
- بالنسبة لى أهم قانون يجب تعديله جذريا هو قانون المناقصات والمزايدات لأن قانون عام 1989 لم يعد قادرا على مواجهة التحديات الحالية، لذا يجب تعديله بحيث يمنح مزيدا من المرونة والسرعة في اتخاذ القرار ويتفادى سلبيات كثيرة كنا نعانى منها بسبب هذا القانون. كذلك قانون 47 للعاملين بالدولة والوظيفة العامة الذي يجب أن يتغير بشكل شامل خلال الفترة المقبلة، بجانب قوانين الاستثمار بشكل عام وقوانين الضرائب وتلك التي تحكم الجمارك تحتاج جميعها إلى إعادة نظر، ويجب أن يتلازم مع ذلك الإصلاح المؤسسى بما لا يسمح بتضارب الاختصاصات، وعدم تكرار الأدوار، بحيث يُمكن المستثمر سواء الوطنى أو الأجنبى من معرفة آليات الاستثمار والقواعد بشفافية مطلقة مع سرعه إنهاء الإجراءات بحيث يمكن من إنجازعمله بأسرع وقت، وفى رأيى أن إتاحة المعلومات لم تعد رفاهية إنما هي ضرورة، صحيح هناك بعض المعلومات لها طبيعة سرية، لكن بشكل عام يجب أن يكون الأصل هو الإتاحة والشفافية وأن تتوافر المعلومات لرجل الشارع العادى وللمستثمر ولصانع القرار، ولذلك فأنا أعتقد أن قانون المعلومات يجب صدوره في أسرع وقت.
■ ما هي أهم البنود التي ترى ضرورة تعديلها في قانون المزايدات والمناقصات على سبيل المثال؟
- تلك التي تتعلق بأسلوب الطرح في المناقصات والمزايدات وتغييرها من الشكل التقليدى الخاص حيث البيروقراطية والإجراءات التي تصل إلى أربعة أو 5 أشهر مما يعطل ويعرقل الاستثمار.
■ هل البديل هو الإسناد بالأمر المباشر للقطاع الخاص كتعديل على القانون وما قد يشوبه من شبهات فساد؟
ليس الأمر المقصود به الإسناد بالأمر المباشر للقطاع الخاص، لكن الفكرة في تسهيل عملية الطرح في المناقصة دون الإخلال بضمانات تدقيق اختيار تنفيذ المشروعات بأحسن جودة وأفضل سعر، ولكن عندما يكون هناك تكلفة معيارية معدة من قبل خبراء هنا يمكن أن يحصل على المناقصة من قدم هذا السعر أو قل عنه وليس مطلوبا أن أنتظر أقل سعر ما يضيع الوقت ويعرقل الاستثمار، نحن نحتاج إلى تعديلات تفتح السوق وتجعل جميع الشركات تعمل، فحجم الاستثمارات التي خصصتها الحكومة في السنة المالية الجديدة هو 67 مليار جنيه، وهى أموال متوافرة بالفعل في الموازنة العامة للدولة، وهذا المبلغ يكفى لعمل شركات القطاع العام والخاص ومن شأنه عمل حراك في السوق، فإذا أردت أن أرصف 2000 كيلو من الطرق فذلك يعد أكبر من قدرة الحكومة، والتكلفة ستكون متوازنة إذا دخل القطاع الخاص.
■ لقد أصبحت مسؤولا عن الإصلاح الإدارى في الوزارة الجديدة فهل تعتقد أن ذلك ممكنا وما هي رؤيتك للإصلاح الإدارى؟
- المشكلة في مصر أنه ليس لدينا موظف عام مرن وكفء في عمله لمواكبة العصر، وهذا هو أحد أهداف الإصلاح الإدارى إضافة إلى أن القانون الحالى لا يمكن من الثواب والعقاب للموظف العام، فالأمر يقتصر على تقارير الكفاءة، والمدهش أنه يحصل الجميع على تقدير امتياز، لأنه لا توجد آلية حقيقية للتقييم ولا للعقاب أو الإثابة. لذا لابد أن تشمل تعديلات القانون تغيير نمط تقييم كفاءة الموظف العام وإيجاد آليات حقيقية لمكافأة المجتهد وعقاب المقصر، ونحن لن نخترع شيئا فكل ذلك موجود ومتداول ومعروف في العالم كله. ولقد بدأنا بالفعل أولى خطوات تنفيذ الإصلاح الإدارى بما فيه إصلاح هيكل الأجور وتعريف الموظف وخصائصه وربط قواعد البيانات في كل المؤسسات والتوسع في تقديم الخدمات إلكترونيا للتسهيل على المواطن وتقليل الفساد بفصل مقدم الخدمة عن طالب الخدمة وتعميم هذا النظام.
■ ماذا عن رؤية الوزارة بشأن القطاع الخاص؟
- الدولة تؤكد دائما على أهمية دور القطاع الخاص ودعم الدولة له مع وجود رقابة واضحة وقوية من الدولة، وقد بدأنا بالفعل في حل مشكلات عدد كبير من المستثمرين العالقين في قضايا مختلفة، ناهيك عن بحث مشاكلهم المتعلقة بالديون والتعثر في السداد والعمل على جدولة هذه الديون، إضافة إلى حل مشكلة الطاقة وغيرها.
■ أفهم من ذلك أن قانون «تحصين عقود الدولة» كان مقصودا به إنهاء القضايا المتهم فيها عدد من رجال الأعمال بخصوص عقود تخصيص أراضٍ ولم يتم إصدار أحكام نهائية بشأنهم؟
- بكل تأكيد.
■ لماذا رفض رئيس الجمهورية الموازنة؟
- رفضها بسبب زيادة نسبة العجز، خاصة أنه أعلن مرارا أنه لن يسمح بزيادة العجز على 10%، ولكى لا يزيد العجز يجب ألا تزيد المطالب ومنها المطالب الفئوية وأمر بإصلاح منظومة الدعم بمدى زمنى محدد والبدء في تنفيذ عدد من الإجراءات للسيطرة على هدر الإنفاق في الموازنة والإسراع في تطبيق منظومة الكروت الذكية وأيضا الإصلاح الضريبى لكى يحقق فعالية الضريبة وكفاءة التحصيل ويقلل من التهرب الضريبى، لذا تم تعديل عجز الموازنة هذا العام ليكون في حدود 240 مليار جنيه بدلا من 340 مليار جنيه، وحتى يتم ذلك لابد من اتخاذ عدد من الإجراءات الصعبة التي لا بديل عنها.
■ ما هي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لتخفيض عجز الموازنة البالغ 240 مليار جنيه؟
- الموازنة العامة معروفة، الباب الأول أجور، والثانى خاص بفوائد الديون، والثالث مخصص للدعم، وهذه الأبواب تمثل 80% من حجم الإنفاق في الموازنة، فمن أجل العمل على تقليل هذا العجز يجب النظر إلى هذه الأبواب الثلاثة وعندما ننظر إلى باب الأجور نجد أن الأجور تزيد بشكل كبير ولا يقابلها إنتاج حقيقى أو أن الإنتاج أقل بكثير من الزيادة في الدخول رغم انخفاض مستويات الدخول بشكل عام، وهنا تأتى أهمية فكرة الإصلاح الإدارى والمتمثلة في إصلاح الخلل الكبير في هيكل الأجور.
■ كيف سيتم إصلاح خلل الأجور الذي تتحدث عنه؟
- سنضع هيكلا واضحا للأجور قائما على تعريف مهام العمل وربط العمل بالإنتاجية، فعندما تنظرين إلى مفردات مرتب الموظف الذي يحصل على ألف جنيه تجدين أن منهم 200 جنيه أساسى أي ما يوازى 20% أجرا أساسيا، وحوالى 80% من قيمة الأجر هي علاوات مضمومة وعلاوات غير مضمومة ومكافأة عيد العمال وحافز الإثابة الذي يختلف من وزارة إلى أخرى، لذلك فنحن نعمل على تبسيط هيكل الأجور حتى إذا ما تحدثنا عن الحد الأدنى للأجور فنحن نتحدث عن الأجر الشامل وليس الأساسى.
■ هل تطبيق الحد الأقصى للأجور في المؤسسات ذات الطبيعة الخاصة مثل البنوك وغيرها يمكن أن يضر بإدارة هذه المؤسسات؟
- لقد تم اتخاذ القرار بالفعل بتطبيق الحد الأقصى للأجور على كل القطاعات بما فيها البنوك وشركات البترول ومن على شاكلتها وتحديده بـ42 ألف جنيه، أما عن تأثير ذلك على القطاع المصرفى فلا أستطيع التحدث عنه، ولكن محافظ البنك المركزى يمكن أن يتحدث في هذا الأمر بشكل أكثر دقة، لكن رأيى الشخصى هو أننى ضد المبالغات الشديدة في الأجور التي كان يحصل عليها البعض بصرف النظر عن كفاءته.
■ لكن هذه جهات تحتاج إلى أشخاص على درجة عالية من الكفاءة؟
- أعلم أن هناك سعر سوق للأشخاص المتميزين، كما أعلم أن أي شخص كفء يعمل في القطاع الحكومى يعتبر نفسه يقدم تضحيات كبيرة لأن سعره في السوق أعلى كثيرا من عمله بقطاع الحكومة، لكن الوضع الآن خطير ومصر تحتاج إلى رجال ينظرون إلى خدمتها وليس إلى ما سيتقاضونه، الرئيس نفسه ضرب مثلا وتنازل عن نصفى راتبه وثروته.
■ لكن هناك تخوفات من هجرة الكفاءات من داخل هذه القطاعات ما يضطرنا إلى الاعتماد على الصف العاشر؟
- لا لن يحدث ذلك.. من يريدون خدمة بلدهم كثّر.
■ لأول مرة منذ سنوات يحقق القطاع المصرفى استقرارا ونجاحا وأرباحا.. ألا تعتقد أن هذا القرار ربما يعرض هذا القطاع لخسائر؟
- لا أظن ذلك.
■ هل يمكن إنقاذ الاقتصاد المصرى من خلال الاعتماد على التبرعات؟
- عندما قرر رئيس الجمهورية أن يتنازل عن نصفي راتبه كان المنطق هو رسالة بأن البلد يمر بظروف صعبة وأن علينا جميعا تقديم تضحيات، لكن بكل تأكيد الاقتصاد لن يتحرك إلا برؤية واضحة للاستثمار.
■ هل تحديد حد أقصى للأجور يمكن أن ينعكس بقوة على تخفيض عجز الموازنة؟
- صحيح أن الحد الأقصى سيساهم في تخفيض الإنفاق، لكنه لن يوفر المليارات التي تسد عجز الموازنة.
■ هيكلة الأجور تحتاج إلى وقت وبالتالى ليس هذا هو البند الذي سينعكس سريعا على الموازنة العامة ويخفضه؟
- لكنه حل نسير فيه بالتوازى مع حلول أخرى، والحل الأسرع هو هيكلة منظومة الدعم، لأن منظومة الدعم الحالية صممت بعبقرية شديدة بحيث تجعل الفقير طوال عمره فقيرا بل ويزداد فقرا والغنى يزداد غنى، والدعم الهدف منه في الأساس هو إخراج الفقير من دائرة الفقر إلى دائرة القدرة وليس الإبقاء عليه فقيرا متلقيا للمساعدات، وعندما تنظرين في البيانات على مدى ثلاثين إلى خمسين عاما سوف تجدين أن مخصصات الدعم تزداد ونسب الفقر أيضا تزداد، إذن الدعم يذهب إلى القادرين وهناك خلل شديد في المنظومة.
نحن نعمل على أكثر من محور لإصلاح عجز الموازنة منها هيكلة الأجور وتخفيض الدعم وتقليل فوائد الدين، فكل 1% خفضا في الفائدة يقابله وفر لا يقل عن خمسة مليارات جنيه في الموازنة العامة للدولة.
■ إذن تقليل عجز الموازنة سيعتمد بشكل كبير على رفع الدعم؟
- ليس رفع الدعم إنما تخفيض الدعم، فلن نرفع الدعم مرة واحدة وإنما سيتم ذلك على مراحل تدريجية وعلى مدى زمنى من ثلاث إلى خمس سنوات حتى نصل إلى المرحلة التي يصل فيها الدعم إلى مستحقيه، نحن نحاول أن نستعيد الثقة في قدرة الاقتصاد المصرى وبالتالى نستعيد ثقة المستثمر والعالم في سلامة السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة فالمهم ليس في حجم الزيادة التي ستوضع على منتجات الطاقة لأنها ستكون بسيطة ولكن الأهم هو إعطاء رسالة للعالم بأننا نسير على الطريق الصحيح.
■ ستعطى رسالة إيجابية للعالم ولكنك سوف تخنق المواطن؟
- أتفق معك أن التحدى الأساسى هو تنظيم السوق بشكل يسمح بتقليل تأثير زيادة الأسعار على المواطنين، وستكون هناك رقابة على الأسواق وتنسيق كامل مع السادة المحافظين والنقابات المختلفة بحيث يتم حساب حصة السولار أو البنزين من تكلفة النقل للركاب أو البضائع على أن تكون بشكل عادل، وأعتقد أن هذه الفترة أصبح للدولة هيبة تمكنها من السيطرة على الأسواق، يجب علينا الاعتراف بأن أمامنا مشكلة اقتصادية خطيرة وغير قابلة للاستمرار، بالتأكيد لا نهدف إلى خنق الناس، لكن على الكل أن يدرك أننا في ظرف صعب، لذلك يجب أن تكون هناك قرارات صعبة، ونحن نعمل على تقليل الانعكاسات السلبية على المواطن في ظل توفير رقابة على السوق ولا ندعى بأن ذلك سيتحقق بنسبة 100% لكنه سيتحقق نسبة 60%.
■ ما هي آليات الحكومة لتقليل آثار تخفيض الدعم على الطبقات الفقيرة؟
- عن طريق تنفيذ منظومة الحماية المدنية، فنحن لدينا 1.5 مليون أسرة تستفيد من معاش الضمان الاجتماعى وتم رفعه بشكل كبير في الفترة الماضية وسيتم مضاعفة عدد هذه الأسر ليصبح العدد 3 ملايين أسرة خلال أشهر، كما تم توفير 20 سلعة جديد وضعت على بطاقة التموين وسوف يزيد المخصص المالى لبطاقات التموين إلى 50% خلال الشهرين القادمين لتتمكن الأسرة من شراء منتجات أكثر، كما ستتم إضافة الخبز على بطاقة التموين وكلما وفرت الأسرة في حصتها من الخبز ستحصل على نقاط زيادة تستطيع أن تستفيد بها في شراء سلع أخرى من العشرين سلعة، بالإضافة إلى ذلك نعمل جاهدين على تعميم منظومة الكروت الذكية التي ستمكننا من معرفة حجم الفقراء في مصر وتحديد خريطة الفقر والمناطق الأكثر احتياجا، مما يترتب عليه اتخاذ قرارات اقتصادية سليمة، واستهداف هذه الطبقة ببرامج الحماية.
■ هل تعتقد أن تغيير حقيبة التعاون الدولى ثلاث مرات في فترة قصيرة يعد قرارا صائبا؟
- هذا الأمر يحتمل وجهات نظر، وكان من الحكمة فصل الحقيبة عن وزارة التخطيط في الحكومة الجديدة، لأن ملف التعاون الدولى في الفترة الحالية سيكون ملفا مهما جدا، لذلك هو بحاجة إلى وزير متفرغ تماما، والحكمة الثانية من الفصل الآن أن ملف الإصلاح الإدارى ومتابعته يجب أن يتم فيه إنجاز سريع في الفترة المقبلة لأن أي خطط مهما كانت جيدة لن تنفذ طالما الجهاز الإدارى على حاله، وبمناسبة دمج وفصل الوزارات أعتقد أنه من مهام وزارة التخطيط، وضع هيكل واضح لشكل الحكومة في الفترة المقبلة، أي تحديد عدد الوزارات وطبيعة عملها، وأنا أعكف على عمل ذلك الآن، ليكون أي تغيير في شكل الحكومة في المرحلة المقبلة يتطلب قانونا وليس قرارا وزاريا لضمان الاستقرار.
■ ماذا عن خسائر القطاع العام وخطة الدولة بشأنها؟
- الأداء الاقتصادى والإنتاجى لشركات القطاع العام غير مرضٍ على الإطلاق لأسباب مختلفة، وقد يكون الأداء الحكومى نفسه في التعامل مع هذه الملفات من ضمن الأسباب، لذا يجرى العمل الآن على إنشاء صندوق سيادى لتحسين إدارة الأصول المملوكة للدولة وأن تتم إدارة هذه المحفظة من الأملاك بشكل يحقق عائدا مرتفعا يستطيع أن يغطى مصروفات هذه الشركات.. نحن لدينا خلل في التعامل مع الأصول المملوكة للدولة فمثلا تجدين السكة الحديد لديها خسارة كبيرة رغم أن لديها في الوقت ذاته كما من الأملاك والأصول لو أحسن استغلاها لحققت عوائد ضخمة، لذا نسعى إلى إدارة هذه المشروعات بفكر مختلف وذلك عن طريق مشاركة من القطاع الخاص في الإدارة.
■ هل تقصد شراكة في الإدارة أم أنه نوع من الخصخصة؟
- إطلاقا ليس خصخصة وستظل الأصول مملوكة للدولة.
■ لكن من يدير وينفق مالا في التطوير يستطيع أن يسعر الخدمة كيفما يشاء مما يحمل أعباء على عاتق المواطن؟
- كل هذه أمور سيتم مراعاتها في التنفيذ ولن نسمح بإثقال كاهل المواطن إنما الهدف هوإيقاف نزيف الخسائر والهدر، ولضمان نجاح الصندوق سيكون له استقلالية كاملة، وغالبا سيكون تابعا لرئاسة الوزراء أو لرئاسة الجمهورية مباشرة.
■ اقترح البعض إنشاء وزارة للمشروعات الصغيرة ولكن على ما يبدو أن الحكومة لا تؤمن بأهميتها؟
- إذا كنا نريد حل مشكلة البطالة فلن يكون ذلك إلا عبر العمل على محورين، المشروعات القومية والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ولأن المشروعات الكبيرة تأخذ وقتا طويلا ولا نشعر بالعائد من ورائها إلا بعد سنوات، لذلك اذا أردنا احتواء نسب البطالة المتزايدة فعلينا دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وأعتقد أن الرئيس مهتم بتفعيل وتنشيط المشروعات الصغيرة وسيلمس المواطن تغييرا في الأيام المقبلة.
■ ولماذا فشلت فكرة المشروعات الصغيرة في دعم الاقتصاد المصرى طوال الفترة الماضية بينما كانت عماد الاقتصاد في بعض دول آسيا؟
- بصراحة شديدة.. لعدم وجود أب شرعى لها، وتفرق دمائها بين القبائل، فإشراف عدد من الجهات على المشروعات الصغيرة جعل البيروقراطية هي الأساس وأفقد الفكرة ماهيتها، في حين كان يمكن لها أن تكون قاطرة الاقتصاد المصرى. لذا إذا أردنا تفعيلها فلابد أن تتبع جهة واحدة تتولى إدارتها ويمكن محاسبتها.