نصر القفاص يكتب: فيروس الديمقراطية

الخميس 10-06-2010 00:00

يستحق الأستاذ «محمود أباظة» أن ننحنى له تقديرا، بقدر ما يستحق الدكتور «السيد البدوى» التهنئة.. وبينهما كل التقدير والتهنئة لسكرتير عام حزب الوفد «منير فخرى عبدالنور» الذى كان أول من حمل شعلة الديمقراطية داخل الحزب.. وللتوضيح فهو الرجل الذى نافس رئيس الحزب الحالى على موقعه– السكرتير العام- وفاز بفارق صوت واحد وهو نفسه كان مهندس أروع انتخابات ديمقراطية داخل حزب مصرى، منذ أن عادت التعددية قبل أكثر من 30 عاما.

ويستحق النائب «مصطفى الجندى» وزميله النائب «علاء عبدالمنعم» تحية تقدير– أيضا– لأنهما اختارا الانحياز للمستقبل، فكانت مبادرتهما بإعلان الانضمام إلى حزب الوفد– الديمقراطى– وظنى أن هناك آخرين سيسارعون بالانضمام لهذا الحزب الذى استعاد عراقته، فى لحظة مهمة ونادرة سيؤرخ بها كعام الفيل لسنوات طوال!

نقلب صفحة التهنئة والتحية والتقدير.. نذهب إلى التفاصيل المهمة.. فهذا الحزب الذى كان رقما، ضمن أحزاب معتلة وتصارع كل أمراض الدنيا، استطاع أن يقهر المستحيل، ونجح فى أن يتعافى ويتأهب للانطلاق إلى سماء الأغلبية– أراهن على أنه يمكن أن يفعلها– فالحقيقة أن «الشعب المصرى الشقيق» لم يبتهج لتجربة سياسية، قدر سعادته بأن يرى مصر تستعيد عافيتها الديمقراطية..

فرئيس الحزب الذى أجرى الانتخابات ولم يحالفه التوفيق، ظهر إلى جوار رئيس الحزب الفائز بثقة الأغلبية ورفعا أيديهما أمام الناخبين.. هذا مشهد كنا نطل عليه بحزن وأسى عبر شاشات التليفزيون فى أوروبا والدول المتقدمة!!

ثم جاء اليوم الذى تمكن فيه «فيروس الديمقراطية» من جسد الأمة التى تعودت على «لغة الخشب السياسية».. فيما يبدو أن الذين تكلموا فينا لسنوات طوال عن الديمقراطية، ارتعدت فرائصهم بعد أن وجدوا الديمقراطية الحقيقية تتجسد أمام أعينهم.

أنهى حزب الوفد بانتخاباته الأخيرة دور الذى يقولون عنه «عبقرى عصره وأوانه» وبما أنه معروف ولا يستحق التعريف!! فقد أصبح على حزبه أن يسحبه من على المسرح السياسى فهذا هو الوقت المناسب لخروجه بصورة محترمة.. ولو أنه تمسك بالاستمرار، فهذا شأنه وشأن حزبه.. لكنها ستكون هدية السماء لحزب الوفد– الديمقراطى.

اعتقادى أن الإقبال على الانضمام لعضوية حزب الوفد سيشهد طفرة غير عادية.. فأعضاء «الجالية المصرية فى القاهرة» أصابتهم النشوة وقرروا التفاعل مع تجربة الوفد الرائدة.. ولا أذيع سرا إذا قلت إن عشرات من أبناء النخبة والمثقفين، سيعلنون انضمامهم تباعا لحزب الوفد.. فنحن جميعا لا يمكن أن نترك طوق النجاة– هذا– دون أن نتشبث به.. فإذا كانت الديمقراطية ممارسة، فنحن كنا نتعامل معها على أنها «كلام فارغ»!

جاء زمن حزب الوفد بعد غياب طويل.. نجح أعضاء الجمعية العمومية فى أن يثبتوا للأمة المصرية أنها بخير وقادرة على ممارسة الحرية.. كنت أعتقد أن الديمقراطية لا مكان لها فى غير الأندية الرياضية والنقابات المهنية.. فى تلك اللحظة تأكدت ومعى «الشعب المصرى الشقيق» أن الديمقراطية يمكن أن تسكن فى حزب سياسى!!

من هنا اختار حزب الوفد لنا نقطة البداية.. وآه لو فعلها حزب التجمع وغيره من الأحزاب التى تمارس «ديمقراطية الكلام الفارغ».. هنا ستكون أكبر عملية التفاف على الحزب الوطنى الديمقراطى– الأغلبية– لاختيار طريق الديمقراطية الصحيح، أو الذهاب بنفسه إلى المجهول فى أقرب وقت ممكن..

أما جماعة «المطار السرى» التى اعتقدت أنها البديل الوحيد للحزب الحاكم، فقد أخذتها الصدمة للحد الذى فرض الصمت المريب على رموزها.. ودعنا من دراويش «مولد سيدى محمد البرادعى» الذى يمارس السياسة بإرسال باقات الورد وتلغرافات التعازى والتهنئة «للشعب المصرى الشقيق».

جاء الدكتور «محمد البرادعى» للسخرية من الأحزاب السياسية، معتقدا أنه زعيم للأمة.. فلم يردعه غير حزب الوفد بقوته الديمقراطية الكامنة وقدرته على تقديم الدرس لكل الذين يجب أن يعلموا أن «زمن التهريج السياسى» انتهى.. عكس تيار الدكتور «محمد البرادعى» حامل لواء السخرية من الأحزاب، مضى نائبان محترمان من طريق العمل السياسى فى الاتجاه المستقل إلى طريق الممارسة الحزبية.. فالنائبان من لحم وعظام هذه الأمة..

وعندما أدركا أن الديمقراطية يرفع لواءها حزب الوفد اختارا الطريق الطبيعى.. وفى اللحظة ذاتها بدأ صاحب باقات الورد وبرقيات التعازى والتهنئة، يلملم أوراقه ليرحل إلى حيث جنة عاش فيها عشرات السنوات خارج الوطن.. فإذا قال الوفد كلمته الصادقة، فستسمعه الأمة وكلها آذان صاغية.. أما الذين لا يسمعون وتشغلهم ألاعيب القادر على تحريك العرائس السياسية» فلهم منا آخر نكتة أقدمها فى مقال قادم لضيق المساحة!!

nasrelkafas@yahoo.com